لا تجبر ابنك على الزواج..!


لا تجبر ابنك على الزواج..!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

اضطر بعض الآباء، وربما معظم الأمهات إلى إجبار أبنائهم على الزواج، مُستندين على مقولة: “زوجوه عشان يعقل”، أو “دوروا لولدي بنت تعقّله”!، منتظرين من الفتيات ضبط سلوك أبنائهم، وهم برجولتهم لم يستطيعوا ذلك!.

وعلى الرغم أن الأسرة تتحمل مسؤولية التشجيع على الزواج، وتقديم الخبرات المناسبة للحياة الزوجية السعيدة، وتحديداً مع الانفتاح الذي أتاح لأغلب الشباب العزوف عنه، وتأجيله إلى سنوات عدة، إلاّ أنه ينبغي إمداد الابن بالمعلومات الكافية لاتخاذ القرار، مع دعمه نفسياً ومادياً، وفي حال كان غير قادر على اتخاذ القرار أو مجبراً عليه، فذلك مدعاة لتأخير الزواج؛ لأنه مؤشر عدم نضج، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة، أهمها عدم التوافق، وكذلك عدم السعي لتحقيق أهداف الزواج، لتكون النهاية الانفصال.

وتختلف الآثار المترتبة على إجبار الأبناء على الزواج من حالة إلى أخرى، فأحياناً يكون الابن غير مقتنع أساساً بالفتاة المختارة، وبالتالي تكون المخاوف موجودة من الفشل، كذلك عدم معرفة الشاب بمقومات الحياة الزوجية والحقوق والواجبات وهذا مؤشر لوقوع الفرقة، إضافةً إلى أنه ربما وقعت آثار نفسية سلبية على الابن، خاصةً إذا وجد نفسه في عالم أُكره في الدخول إليه، وربما وقعت كذلك آثار اقتصادية على الأسرة عبر دخولها في ديون كبيرة، كذلك قد يكون هناك آثار اجتماعية كالاختلاف بين الأسرتين وأقاربهم حين حدوث الفشل.

متطلبات عدة:

وقال “د.فرحان العنزي” -استشاري الإرشاد الأسري وعميد كلية التربية بجامعة حائل- إن الزواج يؤدي وظائف متعددة أهمها بناء الأسرة وتحقيق الحاجات النفسية والاجتماعية و”البيولوجية”، مضيفاً أن التفكير بالزواج في مرحلة الشباب يُعد من مطالب النمو السليم، لكنه يحتاج إلى متطلبات اجتماعية واقتصادية متعددة، أهمها وجود شريك الحياة المناسب، وترتيب بيت الزوجية، وكذلك الاستعداد النفسي والمعنوي والمادي، واكتساب المهارات المناسبة له من حيث اللياقة النفسية، إضافةً إلى النضج الكافي للوفاء بمتطلبات الحياة الزوجية، حيث أن الإكراه على الزواج غالباً ما يكون بحد ذاته سبباً للفشل؛ لما يترتب عليه من مشاعر سلبية، مبيناً أنه ينبغي على الأسرة التشجيع على الزواج، وتقديم الخبرات المناسبة للحياة الزوجية السعيدة، ومن أهمها طرق الاختيار، وإمداده بالمعلومات والدعم النفسي والمادي عند توافر الظروف المناسبة، وكذلك وجود الطرف الآخر المناسب؛ مشيراً إلى أن الأسرة طرف في صناعة القرار وليس اتخاذه.

وأضاف: إذا كان الشخص غير قادر على اتخاذ القرار أو مجبراً عليه، فذاك مدعاة لتأخير الزواج وليس التعجيل به؛ لأنه مؤشر عدم نضج وضعف في مستوى السلوك التوكيدي؛ وهو الأمر الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة لاحقة، من أهمها عدم التوافق، وعدم السعي لتحقيق أهداف الزواج والهروب من الواقع، ذاكراً أنه تكون غالباً نهايته الانفصال وانهيار الحياة الزوجية، وهي الأشياء التي لا تستطيع الأسرة الإجبار على تغييرها.

زوجوه يعقل:
(جيل اليوم يتعذّر بالوظيفة والسكن وغلاء المعيشة ويفكّر في التأجيل بعد سن الثلاثين من دون أن يواجه المشكلة).

وأوضح “فهد العامر” -رئيس وحدة التوجيه والإرشاد في جمعية وفاق بحائل والمستشار الأسري- أن الآثار المترتبة على إجبار الأبناء في الزواج تختلف من حالة إلى أخرى، فإذا كان الابن قد اكتملت له مقومات الزواج من وظيفة وسكن واستقرار نفسي وصحي، إضافةً إلى مقدرة الأب على مساعدته في التكاليف، فإن الأب يبدأ بمحاورة الابن على هذا الأمر واقناعه بفكرة الزواج، وبإذن الله في مثل هذا الوضع يقتنع الابن ويُقدم، مضيفاً أنه بشكل عام ضد الإجبار، مبيناً أن بعض الأبناء يلزم الأب تزويجه والمحافظة عليه من الفتن والمغريات، وهذا يكون قد فعل بابنه خيراً حينما حصّنه وساعده في عف نفسه عن الشهوات، في مثل ذلك يكون الأب مأجوراً، وغالباً مثل هذه الزواجات ناجحة، مشيراً إلى أنه في الوضع الحالي وزيادة السفر خارج المملكة يلزم الأب التفكير جدياً في تحصين ابنه من ما يحيط به هناك، بشرط أن لا يكون اختيار الزوجة من قبل الأب، ذاكراً أن بعض الآباء يتعجل في تزويج ابنه عندما يرى فيه انحرافاً سلوكياً لعله يتغيّر، وهذا ظلم على حساب زوجته كما يقولون: “زوجوه عشان يعقل”، أو “دوروا لولدي بنت تعقّله”!، فيعتقد أن الفتاة قادرة على ضبط سلوك ابنه، وهو برجولته وأبوته لم يستطع على ضبط سلوكه.

آثار الإجبار:

وأكد “العامر” على أن الآثار المترتبة على الإجبار تختلف من حالة إلى أخرى، فأحياناً يكون الابن غير مقتنع أساساً بالزوجة المختارة، وبالتالي تكون المخاوف موجودة من فشل هذا الزواج، كذلك عدم معرفة الزوج بمقومات الحياة الزوجية والحقوق والواجبات وقلة معرفته بما له وما عليه، وهذا مؤشر لوقوع الفرقة، مبيناً أنه ربما تقع آثار نفسية إذا وجد الابن نفسه في عالم أُكره في الدخول إليه، مما قد يتسبب في صدمة نفسية له، وقليل من ينجو منها، ذاكراً أن هناك آثاراً اقتصادية، فربما يغرق الابن والأب معاً في ديون لا يعرف كيف الخلاص منها، فتؤثر فيه وفي علاقته بزوجته، لافتاً إلى أن هناك آثاراً اجتماعية وهي الاختلاف بين الأسرتين وأقاربهم حينما يحدث الفشل.

عرضة للفشل:

وأشار “سعود الفريح” -تربوي- إلى أنه لا يحق للوالد أن يجبر ابنه بالزواج، مضيفاً: “ليتأمل الأب الذي يريد أن يفعل ذلك في حاله، هل كان يقبل أن يجبره أبوه بالزواج؟، أو أن يزوجه مبكراً”، لأن ذلك ليس من مصلحة الولد في شيء، مبيناً أن الزواج إذا لم يكن عن رضا تام، فإنه عرضة للفشل مثل كثرة المشاكل أو الطلاق، ذاكراً أنه إذا رفض الابن تنفيذ رغبة، فإنه لا يكون عاقاً بذلك، حيث أن دخوله هذا الكيان يعني مسؤولية كبيرة تحتاج إلى أن يكون رجلاً يُعتمد عليه، فهو من خلال القرار يدخل من دائرة الفرد إلى مفهوم الجماعة التي هو قائد لها، ناصحاً الوالدين ألاّ يجعلا بر أولادهما بهما سيفاً مسلطاً على رقاب أولادهما، فيلزمانهم بما لم يريدوا تحت تهديد “سأكون غضبان عليك”، مُشدداً على أهمية الرفق بالابن، وفي حال رغبة الوالد في زواج ولده فعليه إدخال عقلاء أهله ليساعدوه في ذلك، كالأخوال والأعمام والأصدقاء.

وتساءل: هل يأتي ذلك بداعي خوف الأسرة التي تطمح أن تراه رجلاً متزوجاً ومسؤولاً؟، أم هو الخوف الذي يتخفى خلف رغبتهم بأن يتخلص الشاب من مرحلة المراهقة سريعاً ليتحول إلى رجل ناضج بوجود مسؤولية الزواج؟، موضحاً أنه علينا حسن معاملة الأولاد معاملة حسنة وأن نصاحبهم صحبة طيبة، قال الله تعالى: “وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا”.

تفهم ومساندة:

وتحدث “فهد العديم” -معلم متقاعد-، قائلاً: يمكن حل مشكلة عزوف بعض الأبناء عن الزواج بعدة أمور، أهمها أن تكون علاقتك بابنك علاقة قوية، مع الحذر من مقاطعته أو هجرانه، فربما يعيش الطفل الذي بداخله، ويحتاج منك للحنان والتفهم، مضيفاً أن الحوار هو السبيل الوحيد لإقناعه، ولا يأتي من خلال إعطائه المحاضرات والإكثار من الوعظ، وإنما الحوار أن تستمع لوجهة نظره بالموضوع، والتفكير بالنتائج المستقبلية لقراره، مبيناً أن من أبرز حل المشكلات هو الاستماع لمخاوفه، والقلق الذي ينتابه فيما لو اتخذ قرار الزواج، وأن ندعه يتكلم دون أن يشعر بالخوف، فربما لديه مشاكل شخصية يُعاني منها، أو لديه اعتقادات خاطئة تجاه الفتيات، أو مخاوف تنتابه في حال الارتباط.

وشدّد على ضرورة ممارسة دور مختلف يتمثل في التفهم والمساندة النفسية؛ حتى نعرف أكثر عن أبنائنا، إضافة إلى أننا يجب أن نبحث عن صديق الابن الذي تزوج ولم يعد يراه، فعسى أن يكون قادراً على معرفة الدوافع الحقيقية وراء قراره بعدم الزواج، إلى جانب كتابة رسالة يعبر الوالدان من خلالها عما يقلق من عدم رغبته بالزواج، والاستفسار عن دوافعه الحقيقية وراء ذلك، ذاكراً أن الدعاء والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى في الثلث الأخير من الليل؛ عسى الله أن يلهمه الصواب والقرار السديد.

معرفة الأسباب:

وأوضح “حسين الفريدي” -مشرف التوعية الإسلامية بحائل، وإمام وخطيب جامع اللحيدان- أن الشاب الصحيح المعافی المتأهل جسدياً ونفسياً يكون الزواج في حقه مندوباً أي مستحباً، أمّا إن خاف علی نفسه من الحرام وهو قادر علی الزواج فهو واجب في حقه؛ لأنه السبيل لإعفافه، مضيفاً أنه جاء الحث في الشريعة الإسلامية علی الزواج إذ هو من سنن المرسلين عليهم السلام قال تعالی: “ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية”، وقال تعالی: “وأنكحوا الأيامی منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله”، وجاء في الحديث الصحيح: “ثلاثة حق علی الله عونهم..، وذكر منهم الناكح يريد العفاف”، مبيناً أنه على الأب التأكيد على ابنه المتأهل القادر الإقدام علی هذه السنة، وإعانته علی تكاليفها ما استطاع إلی ذلك سبيلا، لما في الزواج من غض للبصر وإحصان الفرج وقضاء علی سبل الفساد والانحراف الخلقي الذي بات يهدد شبابنا وفتياتنا، لاسيما في زمن كثرت فيه الفتن، مشيراً إلى أنه جاء التأكيد علی لسان رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام بحث الشباب علی الزواج بقوله: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”.

وأضاف: إن وجد الأب من ابنه رفضاً وإعراضاً عن الزواج فعليه أن يستجلي الأمر منه بالحوار ومعرفة الأسباب، فربما أن لدی الابن مبررات معقولة، أو مشكلة تحول بينه وبين الإقدام تحتاج إلی علاج، فقد تكون من الناحية الجسدية والصحية، أو من حيث الحالة النفسية، ذاكراً أن ترك الأب الأمر وعدم إعارته أي اهتمام فليس هذا من الحكمة في شيء، مبيناً أن “عمر بن الخطاب” -رضي الله عنه- نظر إلی أحدهم ممن تأخر في طلب الزواج فقال له معاتباً: “ما يمنعك من الزواج إلاّ عجز أو فجور”؛ لأن الله فطر الإنسان ذكراً كان أو أنثی علی طلب الزواج، ولا يمكن أن يعرض عنه إلاّ بسبب عجز جسدي أو نفسي أو مالي.


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com