الطلاق نهاية “التنبيش” بين الأزواج..!


الطلاق نهاية “التنبيش” بين الأزواج..!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

تترقبه ليل نهار، فالشك وعدم الثقة بنفسها يقتلها حيال زوجها الذي يعمل طوال يومه لتوفير لقمة عيشه وأسرته، فهي لا تصدق أنه لا يوجد بحياة زوجها امرأة أخرى، فأصبحت تبرع في صناعة الحيل وأساليب التجسس لتثبت صحة شكوكها، حتى غدا منزلهما بمثابة قلعة بوليسية من قبل الزوجة، فثياب الزوج تتعرض لتفتيش دقيق وشم حتى تصل لرائحة عطر أنثى غيرها أو أن تجد شعرة تكشف لها المستور، إلى جانب تفتيش جوال الزوج والاطلاع على الصادر والوارد وقائمة الأسماء.

ففي كل مرة يخيب ظن الزوجة لا تستسلم بل تزيد قوة وإصرارا لاثبات خيانة الزوج الذي لا يؤرقه سوى توفير حياة هانئة لأسرته، ففي يوم وجدت رسالة نصية نصها “حبيبي مشتاقين” فأنفرجت أساريرها وكيف لا تنفرج وهي أخيراً نجحت في اثبات خيانة زوجها لها، حتى ايقظته بالصراخ والاتهامات؛ بسبب رسالة تعود في الأصل لصديق له أحب أن يداعبه ويعاتبه عن غيابه منذ فترة عن استراحتهم الأسبوعية.

نساء «ما فيه أمل يتغيرون» يفتشن جوالات أزواجهن ورسائلهم ويدققن على تفاصيل ملابسهم بحثاً عن دليل:

غضب الزوجة لم يتح لها أن تسمع تبرير زوجها، ولكنها قلبت كيان الأسرة الهادئ إلى بركان من الصراخ والاتهامات والسب والشتائم، ليتنهي ذاك السيناريو الذي من نسج خيالها أن تحمل حقائبها وتذهب إلى منزل أسرتها وهي مرتدية ثياب الزوجة التي خانها زوجها.

قصص كثيرة وسيناريوهات درامية تحدث في عدد من العلاقات الزوجية أو الانسانية أو الأبوية سببها الأول “التنبيش” وعدم التغافل، فهناك من هدم بيته بسبب شك وريبة تعود أسبابها الحقيقية إلى خلل في نفسية المرء، وإصابته باضطراب سلوكي يجعله يعيش في حالة من الترقب المستمر للأسوء بل وسعيه الدؤوب لاثبات حقيقة شكوكه.

ليس الغبي بسيد في قومه

لكن سيد قومه المتغابي

صحيفة “الرياض” تطرح قضية “التغافل والتنبيش” وكيف لنا أن نعزز ثقافة التغافل التي حث عليها القرآن الكريم في أكثر من موضع كقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)، وقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا”.

محبة خاطئة

وقالت “أم الليث” إن لم استطع حتى الآن من التخلص من خصلة الشك، فدائماً أشعر أن هناك امرأة في حياة زوجي، ففي إحدى المرات كان زوجي حريص على شراء عصير يقع في منطقة بعيدة عن منزلنا، وانتابني الشك أن لهذا العصير ذكرى معنية لديه خاصة، وأن صاحبة المحل امرأة، فأخضعته لاستجواب حاد، وواجهته بوالدته وشقيقاته حتى حلف لي على المصحف أن لا علاقة له بصاحبة المحل، وقاطعه ليريحني وفعلاً ارتحت، مبررة ذلك بحبها لزوجها وخوفها من أن تأخذه أي امرأة أخرى، نافية أن يكون لثقتها بنفسها أي علاقة فهي جميلة وخلوقة ولا يعيبها شيء ولكنها تريد المحافظة على بيتها كما تعتقد!.

انقلب السحر..

بينما وضعت “سامية الغرابي” جهاز تنصت في مجلس زوجها لتثق أنه لا يوجد سيدة غيرها بحياته، وبعد مضي عدة أشهر اكتشفت أن زوجها يهاتف غيرها، فواجهته بالقرائن وأشرطة التسجيل لتتفاجأ بأنه يهديها ورقة طلاقها ويتزوج بتلك التي كان يحادثها، وبعد مضي عام من زواجه أعادها على ذمته، مع ابقائه على الزوجة الثانية.

وقالت:”أيقنت بأني أنا من حفر لنفسه وأنا من بحثت وجعلت زوجي يتزوج علي، فمهما يكن تصرفي كان خاطئاً، فلو لم أسع لكشف ستر زوجي لكنت الآن أنا الوحيدة بحياته، ولكن للأسف أسأت لنفسي وتربيتي وخسرت ثقة زوجي ومحبته”.

بهارات قاتلة

واتفق معها “ناصر الأسمري”، قائلاً: “كان لدي شقيقة تهتم كثيراً بنقل التفاصيل بين أفراد العائلة، وكنت أحب الاستماع إليها لمعرفة ما يدور خلفي وفي غيابي، وحصل أن خبرتني أن شقيقي الأكبر يغار مني وكان يقلل من قيمة عملي ولا يجدني ناجحاً كما يعتقد كثير من أفراد العائلة، وساءني كثيراً تلك المشاعر الحاقدة والحاسدة، فحملت بقلبي على شقيقي وبدأت فعلياً أعامله بسوء لأتفاجأ بعد أسبوعين أنه كان يتفق مع شقيقي الآخر لاقامة مأدبة عشاء على شرف نجاحي، وشقيقتي سمعت مقتطفات من الحديث فبدأت تربط الأحاديث كما يحلو لها، فحتى هذا اليوم أنا مستاء جداً من موقفي وكيف جعلت أذني لاقطة لكل ساقط من الكلام!”.

هدم راحته

وكان للسيد “عبدالله العنزي” موقف آخر، قائلاً: “كنت سعيداً كثيراً من أسرتي، ولم يكن يؤرقني أي أمر حتى بدأ الشك في قلبي نتيجة صحبة صاحبتهم مؤخراً، فبدأت التجسس على أبنائي والتنصت على خصوصيتهم، فوجدت بعض السلوكيات التي قد تكون مرتبطة بفئتهم العمرية، ولكنها نغصت حياتي وأقلقت راحتي، وجعلت مني شخصا آخر، فالقلق والهم بدأ يأكل مني، وفي كل مرة أجدني أتمادى في انتهاك سترهم حتى وصل الحال إلى أن ابنائي أصبحوا يجتنبون مجالستي أو الحديث إلي، فعلى الرغم من أن زوجتي تؤكد لي أن ما يفعلونه طبيعي في مرحلتهم العمرية إلاّ أنه أصبح لدي كل سلوك بريء مرتبط بمؤشر غير مقبول”.

توجيه رباني

وأوضح “د. عبدالعزيز الدخيل” – اختصاصي اجتماعي – أن التغافل هو توجيه رباني عام، ويجب أن يكون أسلوباً للتعامل مع الآخرين، وداخل الأسرة تحديداً، مشيراً إلى أن هناك شعرة بين الأهمال والتغافل أو التجاهل، حيث يجب على الفرد أن يكون في مرحلة وسط، وأن يعطي الثقة ولكن بتقييد حميد، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالتغافل التام مرفوض والتدقيق التام أيضا مرفوض.

وقال إن التشكيك لا يحصل غالباً إلاّ لدى المضطربين سلوكياً باضطراب الشك، مؤكداً أن التشكيك والتدقيق وسلوكيات التنبيش لا تكون بدافع الحب، فالجميع يحبون زوجاتهم وأبناءهم وعملهم وأصدقائهم، فبمجرد أن يدخل الشك داخل صدر الفرد ستنعدم روح الألفة والمحبة، ويصبح من الصعب ترجيع الثقة في العلاقة.

وأضاف أن التنبيش قد يكون خلف اصدار قرارات منهية للحياة، فأمور بسيطة قد تتضح من خلف التنبيش يكون ظاهرها كبيراً ولكن في حقيقتها هي أمور بسيطة ولا تحتاج إلا قليلاً من التوضيح، ولكن نتيجة التسرع تكون ردة الفعل أكبر من الموقف وعندما تتضح الصورة يندم متخذ القرار، كما أن الشخص عندما يشكك ويبحث ويتجسس سيجد ما لا يسره ولو في طريقة الجلسة أو الكلام أو الفعل أو أي أمر قد يسوئه وهو كشف ستر الله عن الشخص.

وأشار إلى أنه يجب أن يعي المرء أنه عندما يحاول الشخص التنبيش لاظهار ما يعتقده يكون انتهك حرمة مسلم، وهذا لا يصح ولا يجوز شرعاً، فلكل شخص خصوصيته واستقلاليته، والاستقلالية ليست بالضرورة خيانة أو أمور محرمة، وإنما قد تكون أمور خاصة لا يرغب الشخص بالاطلاع عليها من أي أحد، وفي حال وجدت مؤشرات.. ومؤشرات قوية يجب أن يتم التحري والتأكد ومن ثم المواجهة دون تنبيش.

ثقافة جميلة

وقال “د. الدخيل” إن التنبيش والتشكيك والتربص سيعطي رسالة للطرف المشكوك فيه أن يقع في المحظور؛ فطالما أنه مشكوك فيه وهو لم يعمل ما يدعوا إلى الريبة فلماذا لا يفعل المحظور الذي قد يتمناه أو أن يكون تجربته من باب الانتقام لنفسه من المتربص به؟.

وأضاف: “من خلال تجربتي في مستشفى الأمل؛ نجد أن بعض الوالدين يشككون بأبنائهم ويفتشون الجيوب ويشمون رائحة الفم خوفاً من وقوع ابنائهم في براثين التعاطي، وبعد هذه الأفعال البوليسية التي يفعلونها نجد أن الابن بعد فترة يقع في التعاطي، وكذلك الزوج المشكوك فيه بأنه يخون ويفعل ما يسيء للزوجة نجده بعد فترة من الزمن يخون، وكل ذلك يعد ردة فعل نفسية فيجب أن نعزز ثقافة التغافل المقيد وليس المطلق”، مؤكداً أن ثقافة التغافل هي سلوك جميل ينمي العلاقات الإنسانية بين الأزواج والوالدين والأبناء والأصدقاء والزملاء، فيجب أن يعي الفرد أن هناك شعرة بين الإهمال والتغافل، وعليه أن يكون في منطقة وسط.

أقوال في التغافل

قال الإمام أحمد بن حنبل “تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل”، وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور، وكذلك ما قاله الحسن البصري: “ما زال التغافل من فعل الكرام”، قيل: ما استقصى كريم قط، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفوراً لهم، بل ولا من شرطهم ترك الصغائر مطلقاً، بل ولا من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه التوبة”[7]، وقال عثمان بن زائدة، قلت للإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل، فقال:”العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل”.

وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: “لا تظنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً”، وقال الإمام ابن القيم: “من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقاً كانت أو باطلاً، وتكل سريرته إلى الله..”، ثم قال: “وعلامة الكرم والتواضع أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفْه عليه ولا تحاجَّه، وقل: يمكن أن يكون الأمر كما تقول، ولو قضي شيء لكان، والمقدور لا مدفع له ونحو ذلك”، وقال الإمام الشافعي: “الكيس العاقل؛ هو الفطن المتغافل”، وكفانا قوله صلى الله عليه وسلم:”يُبْصِرُ أَحَدُكُمْ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ”.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com