ذكرياتك مع أول رخصة قيادة.. “ناجح يا غشيم”!


ذكرياتك مع أول رخصة قيادة.. “ناجح يا غشيم”!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

كان أكثر ما يخيف قائدي المركبات قديماً خاصةً فئة الشباب إيقافهم من قبل نقاط التفتيش والسؤال عن الرخصة، فإذا كان لا يحملها السائق فإن التوقيف لمدة (24) ساعة وتسديد قيمة المخالفة سيكون مصيره، لذا كان الشباب يتحاشون الوقوع في قبضة رجال نقاط التفتيش ويبتعدون عنها قدر الإمكان، إلاّ أن آخرين كانو يميلون إلى استخراج الرخصة، على الرغم أنها تحتاج إلى إجراءات كبيرة وجهد وأيام، بل كان كل من يجتاز اختبار وإجراءات الحصول على الرخصة تغمره الفرحة، كمن حصل على شهادة عليا، فتجده يقود بقلب قوي أو كما يقولون بقلب جامد، بل ويحاول جاهداً المرور أمام نقطة التفتيش كي يطلب منه “العسكري” إبراز رخصة قيادته، فيخرجها بزهو ويقدمها بثقة، ليسمح له بالمرور دون أن يوقفه أو يسجل عليه مخالفة.

وبالعودة إلى الماضي القريب نجد صعوبة استخراج رخصة القيادة لقائدي السيارات مع قلة الإمكانات التقنية والبشرية، فلم يكن هناك مدرسة لتعليم القيادة كما هو الحال الآن، بل كانت كل الطرق بدائية، ومع ذلك استطاع ذلك الجيل من استخراج رخصة القيادة بعد أن خضع للتدريب والاختبار.

شارع الستين

كانت طريقة اختبار الرخصة قديماً في الرياض تتم في مرور “الملز”، وذلك قبل افتتاح مدارس لتعليم القيادة، حيث التقديم بالأوراق المطلوبة كصورة ل”التابعية”، وهي التي كانت تحل محل بطاقة إثبات الهوية حالياً، وكذلك ملف علاّقي وست صور شمسية، وأخيراً تسديد الرسوم، ومن ثم يحال طالب الرخصة إلى المستشفى من أجل الكشف عليه ومعرفة قوة نظره وحاجته إلى نظارة من عدمها، بعد ذلك يعطى طالب الرخصة منشوراً به علامات وإشارات المرور كي يحفظها المتقدم من أجل أن يختبر فيها، وفي اليوم التالي يحضر طالبو الرخصة بسياراتهم أمام قسم المرور مع بزوغ النور ويصطفون في “طابور”، ليجدوا أحد الجنود في انتظارهم، حيث يجري للجميع والذين ترجلوا من سياراتهم حين رؤيته بفرح اختباراً في إشارات وإرشادات المرور، ومن يجتاز منهم فإنه يعود إلى سيارته الخاصة في انتظار انتهاء الجميع من اختباراتهم كي يجري اختبارات القيادة، ومن ثم يركب الجندي مع أول المتقدمين ويذهب معه في جولة على “شارع الستين” ويختبر السائق فيقول: “توقف عند الإشارة، وانعطف يميناً وشمالاً”، ومن ثم ينزل من السيارة بعد أن يسجل النتيجة ويطلب من المتقدم أن يراجع إدارة المرور ليستلم نتيجته، ليجد المختبر التالي خلفه فينزل ويركب معه ويجري له اختبار القيادة ومن ثم الذي يليه، وهكذا، وبعد الظهر يصطف المتقدمون في “طابور” لاستلام النتيجة النهائية كأنهم طلاب مدارس، ويتم قراءة أسماء المجتازين ومن ثم الذين لم يحالفهم الحظ للاجتياز، فالبعض يكون متعثرا في اختبار الإشارات وغيره في اختبار القيادة والبعض الآخر في الجميع، ويُطلب منهم التقدم من الغد لإعادة الاختبار، أما من كان مجتازاً فإنه يمنح الرخصة بعد تسديد الرسوم، والتي كانت بمبلغ خمسة عشر ريالاً للعام في ذلك الوقت أي خمسة وسبعون ريالاً في خمسة أعوام.

نصف المتقدمين راسبون في «التلبيقة» والبقية في إشارات المرور.. وفرحة استلام الرخصة تعادل «الدكتوراه»:

استعد “خالد” ذو السبعة عشر عاماً ورفاقه الذين يقطنون في إحدى القرى خارج الرياض إلى رحلة الأسبوع، والتي لم تكن رحلة راحة واستجمام، وإنما هي رحلة الحصول على رخصة القيادة، حيث يستلزم ذلك التقديم ومن ثم الدراسة وأخيراً الاختبار وبعد الاجتياز منح الرخصة من المرور، وبالنظر إلى أقرب إدارة مرور لديهم يوجد بها مدرسة لتعليم القيادة والتي تشرف عليها شركة “دلة”، فقد وقع الاختيار على مدينة “الدوادمي”، والتي تعد من أوائل المدن التي أنشأت مدرسة لتعليم القيادة، على اعتبار كثافة السكان فيها وتوسطها لعدد من المدن، فقد كانت مدارس تعليم القيادة المنتشرة في المملكة قبل نصف قرن من الزمان تتركز في المناطق والمدن الكبرى وتعد على الأصابع، وبعد أن استأذن “خالد” والده وبالمثل فعل رفاقه الذين كان عددهم سبعة، سافروا إلى الدوادمي في سيارتين الأولى “هايلوكس بكب” والأخرى “هوندا” صغيرة ذات “القير الأوتوماتيك” وذلك لأن أحد المتقدمين للاختبار من المعاقين الذي لا يستطيع قيادة السيارة ذات “القير” العادي، فحملوا أغراضهم وفرشهم وعدة الطبخ معهم وواصلوا المسير لأكثر من ساعتين حتى وصلوا إلى “الدوادمي”، وبعد استراحة من أثر السفر والمبيت في أحد البراري القريبة استيقظوا صباح السبت وذهبوا إلى قسم المرور وقدموا أوراقهم المطلوبة، وهي صور البطاقات الشخصية وصور شمسية وسددوا رسوم التقديم وهي مائة ريال لمدرسة القيادة فتم قبول طلبهم لاستخراج تصاريح قيادة تقوم مقام الرخصة، حيث يستطيع حاملها عند إكمال (18) عاماً تحويلها إلى رخصة قيادة دون اختبار من جديد، فيما تم تحويلهم إلى المستشفى من أجل إجراء الكشف الطبي وفحص النظر من أجل أن يرى طبيب العيون حاجة المتقدم إلى نظارة من عدمها، فاذا كان نظره ستة على ستة فإنه لا يحتاج إلى نظارة طبية أمّا من كان نظره أقل بكثير فيكتب في التقرير بحاجة إلى نظارة طبية، مما يعني أن يقدم صوراً بنظارة طبية، وهذا الأمر كان يهم المتقدمين فالكل يسعى بأن يكون التقرير مكتوباً فيه بدون نظارة طبية حتى لا يضطر إلى تقديم الصور بنظارة مما يجعله عرضة إلى المخالفة عندما يقود السيارة بدونها.

اختبار الاجتياز

بعد ذلك يأتي دور تحديد فصيلة الدم ويشترط لإتمام التقرير الطبي التبرع بالدم والذي يتخوف منه المتقدمون، فالجميع يكره عملية التبرع لقلة الوعي والخوف من إجراء التبرع، فتجد المتقدم يستعين بأي طريقة لتفادي ذلك، وقد كان من يقل وزنه عن (50كجم) يعفى من التبرع، وعند الانتهاء من تقديم التقرير الطبي للمرور يحال المتقدمون إلى مدرسة قيادة السيارات للدراسة والتقدم لاختبار الاجتياز، وكانت مدة الدراسة يومين الأول دراسة ميكانيكية واليوم الآخر لشرح إرشادات وإشارات المرور، وبالفعل انتظم هؤلاء الشباب بالدراسة في اليوم الأول دراسة عملية، وفي اليوم الثاني تجمع المتقدمون والبالغ عددهم (76) شخصاً للدراسة في الإشارات المرورية والعلامات، حيث تولى الشرح لهم أحد المقيمين من الجنسية العربية وبعد انتهاء الشرح سأل المدرس الطلاب بلهجته العامية: “فاهمين؟”، فأجاب أحد الذين استثقل هذا الدرس ولم يعِ شيئاً بالقول: “نعم”، ثم قال عبارة كأنه يطلب الدعاء للمعلم: “بيض الله سواد عيونك”، فشكره على شعوره وهو لا يعلم بأنها دعوة ضارة، بينما تعالت صيحات الضحك من حول الجميع.

في اليوم التالي جاء موعد الاختبار النظري وتم اختبار الجميع في القسم النظري لإشارات المرور، ومن ثم جاء دور الاختبار العملي للقيادة التي كانت تستدعي سير المتقدم في الميدان ومن ثم التوقف عند الإشارات وأخيراً ركن السيارة بجانب الرصيف عن طريق الرجوع إلى الخلف ب”الريوس” في مساحة ضيقة بين علامات موضوعة كأنهما سيارتان يقف المتقدم بينهما دون أن يصطدم بأحدهما، ويكون بينه وبين الرصيف مسافة لا تقل ولا تزيد عن ثلاثين سنتيمتراً تقريباً، وكانت هذه أصعب مرحلة من مراحل الاختبار، والكل يتخوف منها بل ويكمل فيها، وكان المتقدمون يسمونها “التلبيقة”، مأخوذة من قولهم “لبق”، أي توقف على يمينك بجانب الرصيف.

فرحة الاستلام

وعند بدء الاختبار كان أول المتقدمين هو زميلهم ذلك الشاب المعاق الذي استلزم الأمر دخوله الاختبار بسيارته الخاصة “الأوتوماتيك”، وذلك لعدم وجود سيارة مثيلة لها في المدرسة، فكانت كل السيارات الموجودة أربعا فقط وكلها ب”قير عايدي” وقديمة جداً، وقد سمح له مدير المرور بعد أن طلب منه الذهاب إلى المستشفى من أجل تقديم تقرير يفيد بصلاحية جسده لقيادة السيارة، والذي أحضره بالفعل بعد خضوعه للكشف الطبي من قبل لجنة طبية منحته تقريراً يفيد باستطاعته قيادة السيارة “الأوتوماتيك” فقط، ومن سوء حظه أنه كان أول المتقدمين لاختبار القيادة، حيث بدأ بقلق وخوف وسار أمام المتقدمين وعندما جاء وقت “التلبيقة”، رجع بقوة مرتبكاً فاصطدم بالعلامات الخلفية، فإذا هو يفاجأ بصرخات الجندي التي تأمره بالمغادرة، فقد كان ذلك كفيلاً بإخفاقه في الاختبار، وعندما أراد السير إلى الأمام اصطدم بالعلامات الأمامية فازداد نهر الجندي له آمراً بالخروج من الميدان وهو لا يعلم بأن من يقود معاق كاد أن يغمى عليه من الفاجعة، فسار على غير هدى حتى استطاع أن يجد من الجنود من يدله على مكان الخروج، أما بقية زملائه فقد أدوا الاختبار واجتازوه حيث سبق أن أجروا العديد من الدروس العملية في البر، وفي النهاية حصل البعض من هؤلاء الشباب البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً على رخصة القيادة، ومن كان دون ذلك حصل على تصريح والفرحة تغمرهم وكأنهم قد حصلوا على شهادة “الدكتوراه” من جامعة عالمية مرموقة، حيث يطالعون كرت الرخصة والمكتوبة حقوله بخط اليد، ومن كان منهم محظوظاً فقد يكون من كتب اسمه ومعلوماته من الجنود في الرخصة ذا خط جيد، أمّا من حصل على تصريح فإنه عبارة عن ورقة مسودة كبيرة الحجم أكبر من كف اليد وكتبت كلها بخط اليد بكتابة سريعة لا تكاد تقرأ ويصعب على حاملها الاحتفاظ بها في جيبه، مما يضطره إلى الذهاب بها إلى أحد محلات التغليف وثنيها وتغليفها، حيث يتم قراءة المعلومات في الصفحة الأمامية وبقيتها في خلف الورقة، لكن المهم لدى حاملها أنه قد حصل على تصريح يعمل بمقام الرخصة.

بصمة الإبهام

وفي موقف طريف لهؤلاء الشباب المغامرين والذين اعتمدوا على أنفسهم في مثل هذا السن الصغير لاستخراج الرخصة منذ عقود من الزمن، هو وقوع إحدى السيارتين التي تقل بعضهم في نقطة تفتيش، فيما ابتعدت الأخرى عنه بأعجوبة، وعند التوقف طلب الجندي رخصة القيادة، وحيث إن السائق قد تقدم بأوراق لاختبار الرخصة فقد أعطاه ما يفيد ذلك، فلم يلتفت إلى ذلك فأوقفه وأركبه في سيارة المرور وحجزه، بل وطالبه بدفع غرامة عدم حمل الرخصة، فزاره زملاؤه في حجز المرور فطلب منهم دفع الغرامة وإخراجه من حجز المرور، حيث سأم من الحجز لعدة ساعات فقالوا: “كيف ندفع الغرامة فبقية القطة لا تكفي لذلك؟، لكن سوف نحاول إطلاق سراحك بطريقة ودية”، فذهبوا إلى المسؤول وشرحوا له حالتهم وغربتهم وضيق ذات يدهم فرق لهم وأمر بإخراج زميلهم من الحجز وإعفائه من دفع الغرامة، فغادروا شاكرين له صنيعه داعين له.

ومن المواقف الطريفة التي واجهتهم أنه عند استلام الرخص والتصاريح كان كل من يسمع اسمه يتقدم ويستلم ما يخصه بعد أن يبصم بإبهام يده اليمنى في سجل التسليم، وكان في البداية من يستلم أمامهم من كبار السن الذين لا يحسنون الكتابة والتوقيع فيبصمون، ولما جاء دور أحدهم تقدم وبصم على السجل واستلم رخصة القيادة الخاصة به، ثم جاء دور زملائه فقاموا بالبصمة والاستلام كذلك، وجاء بعدهم شخص آخر فوقّع لاستلام رخصته فاستغربوا منه ذلك، فقال: “البصمة يفعلها من لا يحسن الكتابة”، فضحكوا على هذا الموقف الطريف وجهلهم بما حصل.

كبير السن

كان كبار السن ممن تعلم القيادة حديثاً بعيداً كل البعد عن امتلاك رخصة قيادة، وذلك لصعوبة التقدم وإجراء الاختبار، والذي لو تقدم له عشرات المرات فلن ينجح، فهو بالكاد يعرف أبجديات القيادة، لذلك كان “الشيّاب” يتحاشون دخول الشوارع الرئيسة والازدحام مما يجعلهم في مأمن من سؤال رجال المرور لهم عن الرخصة، وقد يجدون ان صادفوا نقطة تفتيش التسامح من رجال المرور تقديراً لسنهم ووقارهم.

وفي موقف طريف فان أحد هؤلاء الذين وقعوا في نقطة تفتيش لم يجد المسامحة من أحد رجال المرور، الذي طلب الرخصة ولما لم يجدها مع كبير السن قال له: “أوقف السيارة جانباً، سوف نعطيك مخالفة”، وكان مقدار المخالفة قديماً (110) قروش في عام 1378 ه، فبادره كبير السن وقال له: “أنا لدي حل أفضل من ذلك، وهو أني سأنزل من السيارة وأتركها كلها لكم لتتصرفوا فيها، فقيمتها ستكون أقل من قيمة المخالفة، ولن أقود بعد اليوم”، وترجل من السيارة وهم لينطلق إلى منزله ماشياً فلاحظه بعض أفرد المرور القريبين في نقطة التفتيش ولما عرفوا قصته وبخوا زميلهم وقالوا لكبير السن خذ سيارتك وانطلق بأمان ولن نسجل عليك مخالفة أبداً فسر في رعاية الله، فرجع إلى سيارته وانطلق بعد أن قدم لهم الشكر والتقدير لموقفهم الجميل والمتعاطف معه.

إجراءات ميسرة

أصبح من السهولة اليوم لطالبي رخصة القيادة الحصول عليها بعد التقدم التقني والتنظيم والتطور الذي شهده نظام المرور وانتشار مدارس تعليم القيادة “دلّة” في معظم المحافظات حتى الصغيرة منها، حيث إن الشروط اللازمة للحصول عليها ثابتة كأن يكون المتقدم (18) عاماً فما فوق، وإجراء الكشف الطبي وإحضار صورة من بطاقة الأحوال للمواطن وإحضار ست صور شمسية مقاس ستة في أربعة، إضافةً إلى دفع الرسوم المقررة لمدرسة تعليم قيادة السيارات وهي (100) ريال وإحضار ملف لحفظ الأوراق.

وتسديد الرسوم المقررة للمرور يتم عن طريق الصراف الآلي، بعد ذلك يراجع المتقدم مدرسة قيادة السيارات ويدرس في اليوم الأول نظريا في الإشارات وعلامات المرور، وعمليا في الميدان على طريقة القيادة وركن السيارة، ويعطى نشرة بها معلومات عن السير وإشارات وعلامات المرور ليحفظها، وفي اليوم التالي يحضر للاختبار في الميدان عمليا، ثم يذهب إلى الاختبار في قاعات خاصة مجهزة بألواح كمبيوتر في الإشارات وعلامات المرور والمعلومات، ويجيب عن طريق الاختيار في لوحة الحاسب الآلي ويجتاز من يجيب على (15) سؤالاً من أصل عشرين سؤالا، وعند الاجتياز يعطى المتقدم رخصة قيادة بطاقة مطبوعة عن طريق الحاسب الآلي تشبه بطاقة الهوية الوطنية بها صورة المتقدم ومعلوماته وفصيلة دمه، لكن مازالت رهبة إجراء اختبار القيادة الميداني موجودة لدى جيل اليوم كما هو الحال في جيل الأمس، خاصةً طريقة ركن السيارة عن طريق الرجوع إلى الخلف، فأعان الله من سيقدم على اجراء ذلك الاختبار.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com