الخلافات الزوجية.. “أبعدو الأبناء عن وجع الراس”!


الخلافات الزوجية.. “أبعدو الأبناء عن وجع الراس”!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

يُعد المنزل المؤسسة الأولى في المجتمع، وهو أساس العلاقات الاجتماعية والمخرج الأهم لأفراد أسوياء معتدلين نفسياً، ولا يستقيم إلاّ بوجود أهم ركيزتين تربويتين الأب والأم، فبدونهما يصبح بلا روح ولا هوية واضحة، هما الموجهان الأول، وهما من يجتهد بهدف توفير بيئة سوية لأبنائهما، لكن نجد أحياناً العاطفة تتغلب على الزوجين، فيتناسيان مهمتهما الأولى بالتربية، ليزداد اختلاف وجهات النظر، الأمر الذي يؤثر على أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى تشويه الصورة الذهنية لدى الابن أو الابنة عن فكرة الزواج والاستقرار، وقد يؤثر سلباً بخلق أطفال متشاحنين مضطربين.

ظروف ومواقف يعيشها الزوجان تحت سقف واحد، إلاّ أنه لابد من بقائها محبوسة بين أسوار غرفتهما، وألاّ تتعداهما لتصل إلى الأبناء في مرحلة نموهم وحاجتهم الماسة للاستقرار والحنان.

ويجهل بعض الآباء والأمهات المسؤولية التي تقع على عاتقهما، مما يجعلهما في دوامة من الصراع والأنانية التي لا تنتهي إلاّ بكارثة نفسية أو معنوية، الأمر الذي يتطلب إدراكهما ذلك، فمن خلال الأسرة يحيا مجتمع كامل، فإن نجحت أنتجت أفرادا واعين والعكس صحيح.

إن وجود المشاكل الأسرية يؤثر نفسياً على الأبناء من خلال التوتر والقلق الدائم وعدم الشعور بالطمأنينة، بل وعدم الشعور بالأمان، مما يؤثر عليهم سلوكياً، فتظهر بعضها كالأحلام المزعجة أو إهمال الدراسة أو الانطواء والعزلة أو العدوانية، أو تفريغ هذا الغضب على الآخرين.

انهيار معنوي

وقالت “نوال مبشر الأسمري” -معلمة-: إن السلوك الخاطئ للوالدين ونزاعهما أمام أطفالهما واضطراب الأسرة، وضعف الأواصر بين الزوجين يدفع الطفل إلى الشعور بفقدان الأمن، لينظر إلى الحياة نظرة متشائمة، مضيفةً أنه يتصف الأطفال الذين ينمون ويترعرعون في ظل هذه الأسرة بالهزال، واصفرار البشرة وانهيار المعنويات، وكذلك الاصابة بتخلف دراسي، والتخلف بسلوك سيئ في التعامل مع الآخرين، مبينةً أنه من خلال واقع تعاملها مع الأطفال أصبحت تستطيع التفريق بين الطفل المستقر وغير المستقر، حيث إن الأطفال الذين يعيشون في بيئة متزعزعة نجدهم لا يشعرون بالحيوية أبداً، ولا ينامون نوماً مريحاً، وتنعدم رغبتهم في الكلام، بل سيصابون بتأخر في النطق.

خصام دائم

وأوضحت “سماح العكيل” -طالبة جامعية- أنه أصبح منظر خصام والديها مؤلوفاً لديها، بل إن وجودهما في مكان واحد وهما راضيان أصبح شيئا مثيرا بالنسبة لها ولأشقائها، مضيفةً أنه منذ صغرها وهي ترى والدها يضرب والدتها وهي تكيل عليه الشتائم والسب، مما أفقدهم الرغبة في الحديث إليهما أو التدخل بينهما، مبينةً أنها لا تذكر اجتماعها وإخوتها مع والدها على سُفرة واحدة، أو جلسة عائلية حميمية، فدائماً والدها مشغول باستراحته والمؤسسة التي يديرها، ووالدتها مشغولة بملاحقة والدها وصديقاتها، مشيرةً أنها لا تعلم حقيقة أثر ذلك على منزلهم، لكن كل ما تعرفه أن عاطفتها أصبحت جليداً على والدها ووالدتها!.

حياة مثالية

وأكد “باسل البسام” -خريج جامعي- على أنه منذ صغره لم ير والديه متخاصمين، أو يحاولان أن يستغلا وجوده وأشقائه للتعاطف مع أحدهما دون الآخر، مضيفاً: “كنت أعتقد أن حياتي هذه تنطبق على جميع الأسر، ونموذج والدي ووالدتي نموذج موحد داخل كل بيت، لكن بعدما كبرت وأصبحت اختلط مع العديد من الأقران عرفت أني بنعمة عظيمة، فأنا أشتاق للعودة إلى المنزل، وأقضي وقتا ممتعا مع والديّ وشقيقاتي بل وأحرص على وقت المغرب للاجتماع معهم، ولا يمكن أن أتخلف عن أي جلسة عائلية، بينما أرى العديد من أصدقائي يهربون من منازلهم، ويسعون جاهدين لتقليل ساعات تواجدهم داخل المنزل، هرباً من وجع الراس”.

رهن المزاج

وقالت “أميرة الروقي”: نحن رهن مزاج والدي ووالدتي، فعندما يرضى والدي على أمي نصبح الأغلى بالنسبة له، ونضمن أن نجدها باسمة في وجوهنا، لكن ما أن يغضب عليها فنصبح نحن أولاد زوجها وتصبح عابسة ولا تتحاور مع أي شخص منا!.

وزادت “روابي آل مشيط”: مشكلتني مع أمي هي اقحامي وشقيقاتي في نزاعاتها المستمرة مع والدي، فعندما تتنازع معه تطلب منا تجاهله، وأن لا نلبي له أي أمر، حتى يشعر بقيمتها ويعلم بأننا بصفها، وعندما لا نمتثل لطلباتها تغضب وتهيل علينا سيلا من الدعاوي، بل وتنعتنا بالعقوق الأمر الذي جعلني وشقيقاتي نتجنبهما، بل أحياناً أتمنى أن يكونا مطلّقين!.

مشاكل مركبة

ورأت “هيفاء صفوق” -كاتبة واختصاصية اجتماعية- أن الخلافات الزوجية تبدأ بسيطة، إلاّ أنهما لا يدركان خطورة تراكمها فترات طويلة، أو تكرارها واستمرارها، لأنها بعد فترة ستتحول إلى مشاكل حقيقية مركبة ومعقدة، مما يترك الأثر السلبي على الزوجين أنفسهما ثم على الأبناء، مضيفةً أن ما يجهله بعض الوالدين تأثير ذلك على نفسية الأبناء، خاصةً أنهم يحتاجون إلى الاستقرار النفسي والمعنوي الذي يشعرهم بالأمان والاحتواء، مبينةً أن وجود المشاكل الأسرية تخلق في نفسية الأبناء التوتر والقلق الدائم وعدم الشعور بالطمأنينة، بل وعدم الشعور بالأمان، مما يؤثر عليهم سلوكياً فيما بعد، فتظهر بعضها كالأحلام المزعجة أو التبول اللاإرادي أو إهمال الدراسة أو الانطواء والعزلة أو العدوانية، أو تفريغ هذا الغضب على الآخرين، مشيرةً إلى أنه قد يستمر هذا التأثير إلى مدى العمر، خاصةً عندما تتشكل لديهم الصورة السلبية للحياة الزوجية فيمارسون ما شاهدوه وتعلموه.

غربة نفسية

وتأسفت “هيفاء صفوق” على جهل الوالدين في كيفية توصيل الحب والاستماع للأبناء، بل وجعلهم يشاهدون تلك الصراعات والمشكلات أمامهم، مما يصنع حاجزا كبيرا بين أفراد الأسرة، مما يجعل أحد الوالدين يستغل ذلك في استمالة أحد الأبناء له ضد الطرف الآخر، وهو ما يخلق بعد فترة أحزابا داخل الأسرة، هناك من يختار الأم، وهناك من يختار الأب، مبينةً أنهم جعلوا الأخوة أيضاً أعداء، ليدخلوا في دائرة الصراع بين بعضهم، مما ينتج عنه العدوانية والكُره، أي تصبح الأسرة الواحدة مفككة بين حزبين اثنين، وهو ما يجعلهم يعيشون الغربة النفسية، وعدم الشعور بالانتماء، والابتزاز فيما بينهم، ذاكرةً أن الكل يصبح يبحث عن سعادته دون الآخر، والأخطر عندما يكون الأبناء أطفالا، حيث سيفتقدون أحد والديهم في مرحلة حساسة تحتاج إلى الكثير من الحب والاحتواء وزرع الثقة فيهم، مشيرةً أن الخلافات تؤثر في نفسية الأبناء، وربما يكره أحدهما الأب أو الأم، فيخلق القصص الكاذبة التي تزيد حدة الأوضاع، والأخطر شعور الأبناء بذنب أو بتأنيب الضمير وكيف يكرهون أحد والديهم؟، مؤكدةً على أن ذلك يؤثر على نفسياتهم في الكبر فتظهر العقد النفسية أو الاضطرابات النفسية التي تجعلهم يعيشون الصراع الدائم.

عدم وعي

وأشارت “هيفاء صفوق” إلى أنه أحياناً يغضب أحد الوالدين من الأبناء لعدم تدخلهم أو وقوفهم بحيادية، فيجبرونهم على الاختيار بطرق ملتوية كالإغراء بالهدايا أو النواحي المادية أو المدح والتشجيع في استمالة أحد الأبناء ضد أحد الوالدين، مضيفةً أنه نجد الأب يحاول أن يكون الأبناء بصفه وأيضاً الأم تحاول ذلك، وربما يلجؤون إلى تشويه صورة أحدهما كي ينفر منه الأبناء، وعندما يحاول الأبناء الحيادية وعدم التدخل يغضب أحد الوالدين أو كلاهما، فيشعر بأن أحد صغاره ضده أو لا يحبه، أو عدوّه أو عدوتها، وهذا طبعاً غير صحيح، ذاكرةً أن كل ذلك هو نتيجة الجهل وعدم الوعي بالمسؤولية التي تقع على عاتق الوالدين، مما يجعلهما في دوامة من الصراع والأنانية التي لا تنتهي إلاّ بكارثة نفسية أو معنوية، مشددةً على أهمية إدراك الوالدين مسؤولية عظيمة لما تحويه من أدوار رئيسة في حياة الأبناء، فمن خلال الأسرة يحيا مجتمع كامل، إن نجحت في ذلك أنتجت أفرادا منتجين وواعين والعكس صحيح، وعندما تجهل دورها الأساسي يفقد المجتمع أهم أفراده، مما يخلق بيئة مفككة وغير ناضجة وغير منتجة.

في الصباح:

الزوج: ليه ما صحيتيني بدري؟، تأخرت على الدوام.

الزوجة: وأنا دوري لك بس خدامة وإلاّ منبه؟.

الزوج: أنتِ زوجتي ومن حقي عليك تساعديني.

الزوجة: سبحان الله حقك تعرفه وأنا حقوقي وينها؟.

الزوج: يالله صباح خير، وش حقه بعد؟.

الزوجة: كم لي أطلبك من راتب هالشهرين وأنت تماطل فيني؟.

الزوج: أنا مديون، سددت فيها شي من التزاماتي.

الزوجة: حسبي الله عليك، أنا خدامة عندك، دوري أطبخ وانفخ وآخرتها تستكثر فيني كم ألف!.

الزوج: أعوذ بالله من صباح ابتدى فيك.

بعد المغرب

الأب: نورة سويلي شاي.

نورة: سم يبا.

الأم: أخسريه لا تسوين له شي، خله يحس بقيمتي، أجل اليوم يسوي سالفة بس عشان نسيت أصحيه.

نورة: يُما، شلون أطنشه هذا أبوي.

الأم: شوفي أن سويتي له والله ما يحصل لك طيب، خليه يجي يطلب مني أنا كود نتصالح!.

نورة: يُما، خايفة.

الأم: ما عليك منه، الجنة تحت أقدام الأمهات موب الآباء!.

الأب: نوووورة وصمخ، وين الشاي؟

نوره: سم يبا سم.

الأم: أجلسي لا تقومين!.

وفي نهاية هذه الدراما يأتي الأب غاضباً على ابنته التي بقيت مشتتة في المنتصف لا تعلم ترضي مَن من والديها؟، مما جعل شخصيتها متوترة باستمرار، وكأنها في حرب مستمرة، فبطبيعة الحال لا يوجد منزل ليس به خلافات بين الوالدين، لكن البعض منهم خلافاتهم لا تتعدى الربع ساعة، ومن ثم تعود الأمور إلى طبيعتها، والبعض الآخر تدوم لأيام وأسابيع وشهور، وقد يُصاحبها صراخ وتهديد وربما تصل إلى الضرب.

وعادةً ما تتسبب الخلافات المتكررة في مشاكل نفسية واضطرابات عاطفية للأبناء، وقد تتعدى إلى مشاكل عضوية غير معلومة المصدر، فأعلموا أيها الزوجان أن خلافاتكم لها تأثير كبير على الأبناء وليس فقط عليكم، لذلك وجب الحذر قبل فوات الأوان، وقبل أن تخسروا فلذات أكبادكم نتيجة أنانيتكم.

سألت فتاة عبر إحدى مواقع الإفتاء المصرح لها السؤال التالي:

“ما حكم التدخل بين الوالدين لتهدئة الأمور عندما تحصل بينهما مشادة، مما قد يتطلب مثلاً إمساك أحدهما بقوة؟”.

فكان نص الجواب:

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..

فنسأل الله العلي القدير أن يجعلك بارة بوالديك، ومن المهم أن لا تتدخلين في الكثير من المشاداة الكلامية التي تحدث بين الأبوين لأكثر من سبب إلاّ إذا وصلت الأمور إلى حد إلحاق أحدهما الضرر بالآخر، ومن المهم أن يكون نصحك لأي منهما في الوقت المناسب وليس في وقت المشاداة نفسها، وعلى كل حال فإن تصرفك لا إثم فيه ما دام بقصد الإصلاح ومنع الضرر، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: “اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ”، قال العلامة “ابن كثير” -رحمه الله- في تفسيره: “أي: يعلم من قصده ونيته الإفساد أو الإصلاح”، ومهما حصل فأنت مطالبة بالرفق بوالديك والحذر من كل ما يغضبهما، لذا فبعد انتهاء المشادة وزوال الغضب اعتذري عن كل ما بدر منك، وبيني قصدك الحسن في ما حصل من تصرف، والله تعالى أعلم.

* اختلال عملية الانضباط:

عندما يحصل النزاع بين الزوجين فإنه يؤثر على انضباط الأطفال وعدم اكتراثهم بأوامر الوالدين، وثمة خطر آخر يهدد الأسرة أيضاً ألا وهو انقسامها إلى معسكرين أو صفين، حيث سيتبنى كل طفل موقفاً معيناً فيكون إمّا بجانب أمه أو أبيه، وهذا ليس في صالح الطرفين.

* إساءة الظن بالوالدين:

قد يكون أحد الزوجين محقاً في النزاع ولديه أدلة قوية وكثيرة، إلاّ أن الطفل يحمل تصوراً مختلفاً عن هذا الموضوع، فيدين مثلاً طرفاً معيناً، أو قد يلجأ الأب إلى الإساءة للأم ويحاول اقناع الطفل بأنه على حق، لكن هذا لا يعني أن الصغير سيقبل بذلك رغم سكوته الظاهري، بل سيعد الأب مذنباً، فيسيء الظن به بمجرد أن يشاهد بكاء والدته وتوددها إليه.

* توقف عملية النمو:

أشارت بعض الدراسات في المجتمعات الغربية أن نزاع الوالدين في محيط الأسرة يؤدي إلى توقف عملية نمو الطفل وظهور مشاكل جدية في هذا المجال، وقد تقل شهية الطفل للطعام أو يحصل تباطؤ في علمية الهضم بسبب حدوث خلل في إفرازات بعض الغدد، وهذا كله بسبب شعور الطفل بالهم والحزن، حيث يؤدي نزاع الوالدين أيضاً في حال مرض الطفل إلى تباطؤ علمية شفائه واستعادته لصحته وسلامته، أو قد يؤدي إلى مضاعفة المرض بسبب ازدياد حزنه.

* السلوك الاجتماعي المنحرف:

يؤدي نزاع الوالدين وعدم توافقهما، بل وحتى سلوكهما غير المتزن وكلامهما غير المنسجم، إلى تمهيد الأجواء لأن يسلك الطفل سلوكاً اجتماعياً منحرفاً، فيلجأ إلى الجريمة مثلاً!، فالحجم الذي يؤججه بعض الآباء لأولادهم في الأسرة يكون سبباً للعديد من حالات الاضطراب التي تؤثر بشدة على حياة الأفراد الحالية والمستقبلية، ولدينا نماذج كثيرة لجأ فيها الأولاد إلى الفساد والانحراف والإجرام.

* تحطيم المعنويات:

يؤدي النزاع إلى تحطيم معنويات الأبناء، بل ويجذّر في نفوسهم حالات القلق والاضطراب.


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com