تقليص دوام معلمات “النائية” لا يكفي


تقليص دوام معلمات “النائية” لا يكفي



تحقيقات - إخبارية عرعر:

حرصت حكومتنا الرشيدة – أيَّدها الله- على إيجاد عدد من الخطط والبرامج التي من شأنها تطوير التعليم، إلى جانب سعيها إلى توفير التعليم المجاني لجميع المواطنين ونشره في جميع أنحاء الوطن، حيث نتج عن ذلك ارتفاع كبير في نسبة الملتحقين بالدراسة في المرحلة الابتدائية إلى حوالي (99%) من الفئة المستهدفة، إلى جانب تحقيق المساواة بين الجنسين في كل الفرص المتاحة للتعليم.

ورغم هذه الجهود إلاَّ أنَّ المواطن لا يزال يأمل في مزيد من الاهتمام بهذا القطاع الحيوي، حيث أجمع عدد من المواطنين بمحافظة “جدة” على أنَّ معلمات المناطق النائية لا يزلن بحاجة إلى الاهتمام بقضيتهن، مضيفين أنَّ قرار تقليص دوام المعلمات العاملات في المناطق النائية إلى ثلاثة أيام في الأسبوع فيه إجحاف كبير للطالبات اللاتي يعتمدن كثيراً على هؤلاء المعلمات في كثير من المواد الدراسية، مَّا يؤدي إلى إحداث فجوة بين الطرفين، مُشيرين إلى أنَّ ذلك يؤدي إلى تشتيت أذهان الطالبات، مُبينين أنَّ هذا الحل المؤقت لا يمكن أن يكون حلاً نهائياً، بل لابُد من إيجاد حلول جذرية تكفل القضاء على المشكلة بالكامل، ومن ذلك إنشاء سكن دائم للمعلمات العاملات في هذه المناطق، على أن يحظى بكل الخدمات المطلوبة.

وأضافوا أنَّ قرار إلغاء التقويم المستمر في المرحلة الابتدائية قرار صائب يصب في مصلحة الطالب الذي سيجد نفسه في أجواء الاختبارات ويتعود عليها ويكون مستعداً لها في السنوات المقبلة من حياته الدراسية، سواء في المرحلة المتوسطة أو الثانوية، لافتين إلى أنَّ هناك شحا وتوزيعا عشوائيا للمدارس ببعض أحياء محافظة “جدة”، موضحين أنَّ ذلك تسبَّب في معاناتهم، في ظل عدم وجود حافلات تنقل الطلاب والطالبات من مدارسهم وإليها، موضحين أنَّ أصحاب الحافلات الخاصة يرفعون قيمة النقل بشكل مبالغ فيه مستغلين بذلك أولياء أمور الطلاب والطالبات، ممَّا أضطر البعض إلى إيصال أبنائهم بأنفسهم وتحمل العناء في سبيل ذلك.

وشدَّدوا على أهمية الاستغناء عن المدارس المستأجرة، مُشيرين إلى أنَّها لا تليق بمكانة المملكة ودورها الريادي بين دول العالم، مُضيفين أنَّ الدولة – أيَّدها الله- وفرت كل الإمكانات التي من شأنها توفير المباني الملائمة لتعليم الطلاب والطالبات في أجواء مريحة ومناسبة، داعين “وزارة التعليم” إلى بناء مبانٍ جديدة تؤول ملكيتها لها في نهاية الأمر، خصوصاً أنَّها تنفق أموالاً كثيرة على صيانة المباني المستأجرة وتأهيلها، وبالتالي فإنَّ صاحب المبنى الحقيقي هو المستفيد الأول في هذه الحالة، إلى جانب حل مشكلة كثير من المشروعات المدرسية المتعثرة التي عرقلت جهود الوزارة في هذا الشأن.

حل مؤقت

وأوضح “محمد السلمي” – تربوي – أنَّ تخفيض مدة عمل المعلمات العاملات في المناطق النائية فيه إجحاف كبير للطالبات اللاتي يعتمدن كثيراً على هؤلاء المعلمات في كثير من المواد الدراسية، مَّا يؤدي إلى إحداث فجوة بين الطرفين، مُشيراً إلى أنَّ ذلك يؤدي إلى تشتيت أذهان الطالبات، مُبيناً أنَّ هذا الحل المؤقت لا يمكن أن يكون حلاً نهائي، حيث أنَّه أشبه ما يكون بنوع من المسكنات التي يمنحها الطبيب للمريض، لافتاً إلى أنَّ هناك حلولا كثيرة يمكن أن يتم مناقشتها عبر لجان تضم بعض المتخصصين في هذا المجال.

وأيده الرأي “أحمد العناني” – تربوي – مُضيفاً أنَّ الحل يكمن أيضاً في إنشاء مساكن خاصة للمعلمات اللاتي يعملن في أماكن نائية، على أن تكون هذه المساكن مزودة بكل سبل الراحة، إلى جانب تهيئتها لاستقبال ذويهنَّ الذين يودون زيارتهنَّ في أيّ لحظة.

وأيَّد “أحمد ألأسمري” – مدير إحدى المدارس الابتدائية – إلغاء التقويم المستمر، موضحاً أنَّ هذا القرار فيه كثير من الصواب، لأنَّ الآباء بالذات لا يملكون القدرة على معرفة المستوى الدراسي لأبنائهم من خلال هذا التقويم، وبالتالي لابُدَّ أن يكون في مثل هذه الحالة اختبارات في كل المواد يؤديها الطالب ليحصل على درجاته الحقيقية.

من جانبه أيَّد هذه الخطوة أيضاً “علي الكناني” – مدير إحدى المدارس – مؤكداً أنَّ هذا القرار يصب في مصلحة الطالب الذي سيجد نفسه في أجواء الاختبارات ويتعود عليها ويكون مستعداً لها في السنوات المقبلة، سواء في المرحلة المتوسطة أو الثانوية.

اختبارات تحريرية

وأشار “أحمد بن عطية الزهراني” – مدير مدرسة – إلى أنَّ قرار إلغاء التقويم المستمر كان من المفترض أن يتم منذ سنوات، خصوصاً أنَّ التقويم يؤدي إلى إخفاق الطلاب دراسياً، إلى جانب ابتعادهم تماماً عن أجواء المذاكرة والتحصيل العلمي، وبالتالي قاد ذلك إلى تدنٍ كبير في المستويات الدراسية، حيث هناك من الطلبة من يكملون المرحلة الابتدائية من دون أن يكون لديهم إلمام بالكتابة والقراءة بالشكل الصحيح، لافتاً إلى أنَّ الاختبارات التحريرية ذات جدوى في معرفة المستوى الحقيقي للطالب.

حلول جذرية

وبيَّن “عبدالله المطوع” أنَّ ابنته تقيم في محافظة “جدة”، وبعد أن تخرجت في الجامعة حصلت على وظيفة معلمة إدارية في إحدى قرى منطقة “الباحة”، مُضيفاً أنَّه كان من الأجدى أن يتم تعيينها بدلاً من ذلك في إحدى مدارس “جدة”؛ لكي لا تتكبد كل هذه المشاق وهي تقطع هذه المسافة الطويلة ويتهددها كثير من المخاطر، لافتاً إلى أنَّ تقليص دوام معلمات المناطق النائية إلى ثلاثة أيام في الأسبوع لن يكون له أيّ فائدة تذكر، وبالتالي لابدَّ من إيجاد حلول جذرية تصب في النهاية في مصلحة المعلمات والطالبات على حدٍ سواء.

وأكَّد “عايض الثبيتي” أنَّ قرار تقليص دوام معلمات المناطق البعيدة إلى ثلاثة أيام لم يشمل ابنته التي تسكن في محافظة “جدة” وتعمل في منطقة “القنفذة”، مُضيفاً أنَّ السبب يعود إلى قرب المسافة، إلى جانب أنَّ “القنفذة” لا تعدُّ من المناطق النائية، مُشيراً إلى أنَّ ابنته تواجه يومياً كثيرا من المخاطر أثناء هذه الرحلة الطويلة التي تقطع الأنفاس، داعياً إلى إيجاد حل لمشكلتها إمَّا بنقلها هي ومن هنَّ على شاكلتها أو تقليص دوامهنَّ.

ولفت “حميد الشيخ” إلى أنَّ إحدى قريباته تذهب يومياً من “جدة” إلى “رابغ” التي تعمل فيها معلمة، مُضيفاً أنَّ إيجاد مساكن لها ولزميلاتها المعلمات هو من الحلول التي يمكن من خلالها تفادي كثير من المشكلات التي يواجهنها بشكل يوميّ في طريق ذهابهنَّ أو عودتهن.

وقال “محمد الغامدي”: “تقطع ابنتي المعلمة يومياً مسافة تصل إلى (300) كيلومتر لتذهب إلى مدرستها التي تقع في إحدى القرى النائية؛ مَّا يجعلها تستيقظ من نومها في الساعة الثالثة صباحاً لتتمكن من الوصول إلى المدرسة في الوقت المناسب”، مُضيفاً أنَّ ذلك أثَّر بشكل سلبي على معنوياتها وصحتها الجسدية وأدائها، كما أنَّ ذلك كله انعكس على الطالبات.

توزيع عشوائي

وأوضح “عبدالله محمد” أنَّ الأحياء الشمالية والشرقية في محافظة “جدة” هي أكثر الأحياء افتقاراً في عدد المدارس على مستوى المحافظة، مُضيفاً أنَّ بعض الأحياء لا يوجد بها إلاَّ مدارس ابتدائية فقط، بينما تحتوي أحياء أخرى على مدارس متوسطة فقط، ممَّا يعني أنَّ هناك توزيع عشوائي لهذه المدارس.

وبيَّن “عبدالله عبدالرحمن” أنَّ هذا الشح والتوزيع العشوائي للمدارس ببعض أحياء محافظة “جدة” مجلبة للعناء، خصوصاً في ظل عدم وجود حافلات تنقل الطلاب والطالبات، موضحاً أنَّ أصحاب الحافلات الخاصة يرفعون قيمة النقل بشكل مبالغ فيه مستغلين بذلك أولياء أمور الطلاب والطالبات، ما أضطر البعض إلى إيصال أبنائهم بأنفسهم وتحمل العناء في سبيل ذلك.

وأيَّده الرأي “علي العتيبي”، موضحاً أنَّ إيصال الآباء أبناءهم إلى مدارسهم صباحاً كان سبباً رئيساً في التأخر عن الدوام الرسمي، مُشيراً إلى أنَّ ذلك سبب له حرجا كبيرا مع مديره في العمل، إلى جانب ما لذلك من تأثير سلبي في الموظف الذي قد يتم الاستغناء عنه، خصوصاً من يعملون في القطاع الخاص.

مبانٍ مستأجرة

وشدَّد “م. راشد سعد” على أهمية الاستغناء عن المدارس المستأجرة، مُشيراً إلى أنَّها لا تليق بمكانة المملكة ودورها الريادي بين دول العالم، مُبيناً أنَّه لابُدَّ أن تكون للمؤسسات التربوية في المملكة مكانتها اللائقة بها بين دول العالم في هذا المجال، داعياً الجهات المعنية إلى عدم التعامل مع هذه المباني المهترئة والمفتقرة لوسائل الراحة، فضلاً أنَّ هذه المباني بصورتها الرديئة تبعث الملل لدى الطلاب والطالبات وتفتقر للمناخ الملائم بالتحصيل الدراسي والمعرفة العلمية المطلوبة.

وأيَّده الرأي “د. عبدالناصر راشد”، مُضيفاً أنَّ الدولة – أيَّدها الله- وفرت كل الإمكانات التي من شأنها توفير المباني الملائمة لتعليم الطلاب والطالبات في أجواء مريحة ومناسبة، داعياً “وزارة التعليم” إلى البعد عن الاستعانة بهذه المباني وبناء مبانٍ جديدة تؤول ملكيتها لها في نهاية الأمر، خصوصاً أنَّها تنفق أموالاً كثيرة على صيانة المباني المستأجرة وتأهيلها، وبالتالي فإنَّ صاحب المبنى الحقيقي هو المستفيد الأول في هذه الحالة.

وأيَّدهما الرأي “علي الحربي”، مؤكداً أنَّ دولاً ذات إمكانات مادية أقل من المملكة لا تلجأ إلى الاستعانة بمثل هذه المباني غير المناسبة لأجواء التحصيل العلمي، داعياً “وزارة التعليم” لحل مشكلة كثير من المشروعات المدرسية المتعثرة التي عرقلت جهودها في هذا الشأن.

تجربة فاشلة

وقال “بخيت الزهراني” – إعلامي، وتربوي: “منذ أكثر من (30) عاماً وأخبار الحوادث المرورية التي تقع لمعلمات يعملن في القرى النائية تطرق أسماعنا دون أن يكون هناك أيَّ حلول جذرية لهذه المشكلة التي نتج عنها إزهاق أرواح بريئة دون وجه حق”، متمنياً أن يبادر الوزير الجديد بإيجاد حلول عاجلة وجذرية، خصوصاً أنَّ الوزير الأسبق صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل قد أوجد حلولاً يمكن اعتبارها بادرة أمل لعلاج هذه المشكلة، ومنها تقليص دوام معلمات القرى النائية.

وأشار إلى أنَّ هذا الحل وإن كان مؤقتاً، إلاَّ أنَّه يجعل كثيرا من الآمال التي من الممكن أن تُفضي إلى حلول ناجعة، مُضيفاً أنَّ الحل الصحيح هو إنشاء سكن دائم للمعلمات العاملات في هذه المناطق النائية، على أن يحظى بكل الخدمات، مثل: الحراسة الأمنية وتوفير وسائل المواصلات، بحيث يضم المبنى الواحد المعلمات العاملات في خمس مدارس على الأقل.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com