الخطّابة الإلكترونية.. “نصيبك على قد فلوسك”!


الخطّابة الإلكترونية.. “نصيبك على قد فلوسك”!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

تغيرات العصر الحديث أثرت في كثير من سلوكياتنا الاجتماعية، وشملت أساليب الزواج والخطبة، فبعدما كانت لا تتم إلاّ عن طريق الأمهات والأخوات والعمات والخالات، انتقلت إلى مستوى جديد لتسهيل هذه العملية لمتطلبات الشاب أو الشابة التي لا تجد بمحيطها من يصلح لزواج، وانتشرت أرقام الخاطبات، لمساعدة الأهل في إيجاد عريس أو عروس لأبنائهم، وبعد السؤال والتعرف إلى النصيب الجديد يتم الزواج.

فهدف هذه الخاطبة لا يتعدى سوى تزويج الناس – لوجه الله- ومن باب “جمع رأسين بالحلال”.

في وقتنا الحالي تعدى الأمر لأن يكون أبسط من ذلك، من غير تعقيدات الأهل – بحسب مزاعم كثير من الخاطبات – حتى شهدت قاعات المحاكم قضايا طلاق بسبب زيجات وهمية وفاشلة، فتجدهن اكتسحن ساحات مواقع التواصل لينشئن مواقع إلكترونية، من أجل تعبئة بياناتك وبيانات شريكك الذي تحلم به، ورفعها ليتم النظر فيها، وربط الأعضاء بعضهم ببعض في وقت لاحق!، لتشترط هذه أن لا خطبة إلاّ بعد عمل التحاليل الطبية، وأن لا يكون هناك أي عقد قران إلا بعد دفع مبلغ لا يقل عن (5000) ريال، ويزيد بحسب تعقيدات طلباتك وشروطك، وكل هذا يجعلنا نتساءل: لماذا لم تعد “الخطّابات” يزرن البيوت؟ ولم اكتفين بالعالم الافتراضي وعدم الاختلاط ومعرفة العوائل والمقبلين على الزواج أكثر؟ هل هناك من يدير هذه المواقع بهدف الكسب المادي؟.

أعمال مشبوهة

وذكر “عبدالله المزيني” أنّ الظاهرة أصبحت مخيفة، متسائلاً: كيف لأي شخص يرتبط بنصفه الأخر من غير معرفته معرفة حقيقة؟ أو حتى السؤال عنه في محيطة؟، مبيّناً أنّ الزواج رباط ديني قوي، وليس سهلاً، ومن يستسهله ويتزوج بهذه الطريقة لابد وأن تظهر له سلبيات زواجه – إن لم يكن في الليلة الأولى – مضيفاً: “أما من ناحية اجتماعية فتعودنا بأخذ رأي أهلنا بهذه المواضيع بحكم خبرتهم ودرايتهم بما هو أفضل لحياتنا”.

ويشاركه الرأي “أبو محمد”، قائلاً: “مجتمعنا له خصوصيته، كيف يمكن أن تخترق هذه الخصوصية بهذه الطريقة، أجد كثيرا من الإعلانات في تويتر وغيره من المواقع عن خاطبات سعوديات وأجنبيات، امتلأت حساباتهم بتغريدات يذكر فيها طول وعمر ومواصفات الشخص الراغب بالزواج، وفي الأعلى تضع موقع الذي تجمع فيه جميع الطلبات”، متسائلاً: “أين الرقابة عنهم؟ وكيف يسمح لهم بممارسة هذا النوع من الأعمال المشكوك بأمرها أصلاً؟”.

زواج مسيار

ولفتت “سعاد العبدالكريم” إلى أنّ بعض الفتيات قد تفقد حس المسؤولية، خصوصاً من تعرضت للطلاق أو ترملت، أو تعيش في أسرة مفككة، حيث إنّها قد تتهور، وتلجأ إلى مثل هذه المواقع، مضيفةً: “أعرف كثيراً من النساء المطلقات اللاتي تزوجن عن طريق هذه المواقع، حيث اضطررن للزواج المسيار، لكنها ما تلبث أن تطلق بعد عدة أشهر، لتعاود تعبئة طلبها من جديد، من دون علم أهلها بذلك!”، موضحةً أنّ هذه الفتاة – للأسف الشديد – لا تضر إلاّ نفسها، فحقوقها تسلب لكونها لجأت لهذه الخطوة، التي لا تضمن لها حتى زوجا صالحا؛ بسبب وهمية هذه الخاطبات، فبإمكانها الانتظار لنصيبها، أو حتى التعرف إليه عن طريق دائرة الأهل والأصدقاء، ويمكنها الوصول لشريك مناسب بطريقة أفضل من المواقع المشبوهة.

واتفقت معها “هيفاء صالح”، التي ترى أنّ هذا الأمر ليس غريباً، لافتةً إلى أنّه ارتفاع نسب الطلاق عامل مهم في لجوء البعض لهذه المواقع، حيث تجبر الفتاة على خيار الزواج من ابن العم، ولا يكون أمامها إلاّ أن تهرب إلى العالم الافتراضي، لتبحث عن شريك آخر يسطر لها حلمها، ويوهمها بأنّها ستعيش حياة وردية معه، قبل أن تكتشف أنّ الواقع مختلف تماماً، مبيّنةً أنّ كثيرا من الخاطبات الإلكترونيات يروجن لأعمالهن عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ليجدن إقبالا من صغيرات السن الباحثات عن المال، والمطلقين، وغالبيتهم يهربون من ترسبات حياتهم النفسية، التي يظلمهم المجتمع بسبب انفصالهم، إلى جانب كبار السن الذين يبحثون عن المسيار لتقضيه وقت الفراغ بعد التقاعد.

عالم افتراضي

ورأت “فادية العبدالواحد” – أخصائية اجتماعية في المدينة الطبية لجامعة الملك سعود – أنّ الأشخاص الذين يتبعون هذه النوع من الخطبة قد يئسوا من الخوض في الزواج المتعارف عليه وقلة فرصه، فينظرون إلى هذه الوسيلة التي ستخرجهم من حالة اليأس، فتغلب عليهم صفة الاستهتار بالزواج، وأنّ هذه الوسيلة صورة من حالة أشخاص لديهم ظروف خاصة بدنيا أو أسرية، فيكون الزواج بهذه الطريقة مناسبا جداً لظروفهم؛ لأنّ كلا الطرفين لديهم نفس الأسباب فيكون التوافق عذرا، مبيّنةً أنّ الجميع يعلم أنّ الخطّابة هي شخصية معروفة وموثوق بها، لكن من المفترض أن لا يتساهل بعملها، خصوصاً فيما يتعلق بموضوع نشر الصور، حتى وإن كانت بحشمة، فالابتزاز شر لابد من اتقائه.

وأضاف أنّه كما هو متعارف في المجتمع “الشوفة” أو الرؤية الشرعية في منازل الأهل، وبوجودهم؛ لذا علينا كمجتمع محافظ إلغاء هذا النوع من التساهل بالزواج، والشروع في خطب أكثر طبيعية من العالم الافتراضي يتعرف فيه المخطوبان وجهاً لوجه، وتتعرف فيها العائلتان كذلك، منوهةً أنّه من المهم جداً توعية الشباب والشابات باختيار الوسائل المحترمة والمباشرة، لقوله تعالى: “وآتوا البيوت من أبوابها”، إلى جانب حفظ الأسرار والخصوصية، فإذا تقدم الشاب إلى الفتاة ولم يرغب بخطبتها ينسحب باحترام، وعدم تقليل من شأن مخطوبته، ويكتفي بعدم توفر النصيب، كما تحتفظ الفتاة بحق الرؤية الشرعية، إذ دائماً ما تكون أكثر قلقاً وخوفاً من الشاب، والإساءة إليها، فتفضل أن يكون عن طريق الأهل والأقارب والأصدقاء، الأمر المفقود في الخطبة الإلكترونية.

توعية وتثقيف

وقالت “لطيفة الحمد” – استشارية أسرية: “من يستخدم هذا النوع من الزواج هم من يعانون مشاكل نفسية، واجتماعية، واقتصادية، ويحاول تحقيق ذاته خلف الشاشات بالكذب والتدليس، حيث هناك من يدعي الغنى والشكليات المادية: موضحةً أنّ الأفضل أن تكون هناك مصارحة بين الزوجين أو المقبلين على الزواج؛ لتجنب عنصر المفاجأة الذي يحتل الصدارة في الزواج الإلكتروني غالباً، مبيّنةً أنّ الإقبال على هذا النوع من الزواج قد يكون بسبب تلبية رغبات ليس لها علاقة بميثاق الزواج الحقيقي، وإنما تكون من أشخاص باحثين عن “المسيار” الذي لا يدوم طويلاً، أو حتى العلاقات المحرمة، من غير وعي بمخاطر الأمر.

وأضافت إنّ الحد من هذا الأمر يستوجب تكاتف اجتماعي، مستغربة من كون المجتمع يرفض إظهار صورة الفتاة بأي مكان، ثم يصل الأمر إلى تداولها بين مواقع وشبكات الخطابة، خصوصاً أن هناك العديد من قصص الابتزاز بسبب هذه الصور، مشددةً على ضرورة التوعية بأهمية التواصل الحديث، وطرائق تجنب المخادعين والمتاجرين بالزواج، وتكثيف جهود مراكز الاستشارات.

مجرد تسلية..!

ستكتشف عند كتابتك “خطابة” في محرك البحث ظهور العديد من المواقع الضخمة، والتي يجمع بعضها فوق المليون شخص قدموا سيرا ذاتية، ومواصفات شكلية، ومعايير خلقية، وبيئة معاشية، للفوز بزوجة أو زوج، كما تلحظ أنّ الموقع قد وضع آية قرآنية تذكيرية بعدم الكذب، على أن تتعهد وتعد بذلك، الأمر الذي يجعلك تدهش لأنك بضغطة زر سيكون لك مطلق الحرية في عالم الخطبة الإلكترونية، لتبدأ مرحلة التسجيل، وتكتب اسماً وهمياً، وهو الخطوة الأولى لعالم الكذب!، الذي تخالف فيه الفقرة التي ذُكرت الموقع من قبل، لا أحد يراك، فبإمكانك تخيل شكلك الذي تريد وليس الحقيقي، لا تقلق فلا أحد يستطيع اكتشاف كذبك!.

علماً أنّه قد أثبتت دراسة أنّ (40%) من الرجال ممن يستخدمون هذه المواقع هم المتزوجون، خصوصاً الذين أصابهم الملل، أو الفتور، أو الفراغ الوظيفي، ليكون الأمر مجرد تسلية، والدليل الطلب الهائل على “زواج المسيار”!، كما أثبتت دراسة أخرى أنّ “الزواج العنكبوتي” الناجح يقدر ب (2%) في الشرق الوسط، ليجعلك في تساءل: أين بقية الزيجات التي تمت عن طريق هذه الخطبة؟ وماذا كان مصيرها؟، إلاّ أنّ الحسنة الوحيدة في هذا الزواج أنّه غير مكلف أبداً!، أو على الأقل كما يبدو، مهرك سيكون للخاطبة العنكبوتية، وليس لعروس وعريس المستقبل، وعلى الرغم من انتقاد كثيرين الزواج التقليدي، إلاّ أنّه يقف شامخاً أمام الزواج العنكبوتي؛ بسبب أمانه وحقيقة الشخص.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com