الدكتور صغير العنزي : المغرر به يموت ولا تبكي عليه السماء ولا الأرض.. ينتحر ويتوهم أن الجنة مرصودة له بالصكوك


في مقالٍ له شهد روج على مواقع التواصل الاجتماعي:

الدكتور صغير العنزي : المغرر به يموت ولا تبكي عليه السماء ولا الأرض.. ينتحر ويتوهم أن الجنة مرصودة له بالصكوك



سلطان العامر - إخبارية عرعر:

ما أن حدثت تفجيرات القديح شرق المملكة إلا وقد حملت معها ردود فعل واسعة أدانت بها هذا الهجوم الخارجي والبعيد كل البعد عن الإنسانية والقيم الإسلامية السمحة .

الدكتور صغير العنزي رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الحدود الشمالية كتب عن هذه الحادثة المُشينة والتي شهدت روجٍ واسع في مواقع التواصل الإجتماعي .

المقال :

يسجل التاريخ عبر امتداد قرونه مشاهد ساخرة مذهلة ومبالغ فيها للتابع المغفل أمام متبوع انتهازي يرسم أهدافه السياسية بوعي متناه، ويتوسل لها بنصرة الفقير المطحون، أو الإنسانية المعذبة، أو الدين المضيع، أو المذهب الأحق بالنصرة.

تتعدد وسائل ضحك الطامح لأهداف وصولية. وفي كل الحالات تسجل الروايات مشهدا واحدا حقيقيا نتيجته ضياع الضحية التابع الذي يكون أول وقود تلك النار، وآخر المستفيدين من مكاسبها لو حصلت مكاسب.

صورة التابع المنهمك دون وعي في خدمة الأصوات الانتهازية متقاربة في الروايات التاريخية التي دونت تلك الأحداث فهو ساذج مندفع مبادر للقتال، لا يحسب حساباً للعواقب، يرى أن الموت مغنم، ويظن كل اندفاع مع مضلل له شهادة يدخل بعدها الجنة بمجرد أن يودع الحياة، ولهذا لم يتورع المؤرخ المثقف عن وصف هذا النموذج من الناس بالغوغائي والهمجي والرعاع.. إلخ.

وبعد أن مات هذا المغرر به لم تبكِ عليه السماء ولا الأرض، ولم يدون اسمه في سجل الشهداء كما ضحك عليه مضلله الوصولي، ولم يلتفت أحد لأسرته بعده، ولا حصل على لقب بطولي كما يتوهم أو يُوهم، بل كان خادما ساذجا مخلصا لأغراض مستغله مضيعا لأقرب الناس وأحوجهم إلى وجوده. مات رخيصا، وأبقى من يعوله تحت رحمة الآخرين الذين لم يأبهوا بأنين ضعافه بعده، وفوق ذلك فقد كان وأمثاله من الضحايا وقودا لفتنة لم تبق ولم تذر.

والمشهد يتكرر؛ فكثير ممن ضللهم زعماء التطرف والحقد في هذا العصر؛ انتحروا انتحارا رخيصا مرّ العاقبة، قتلوا أبرياء، وتوهموا أن الجنة مرصودة لهم بالصكوك الوهمية التي منحهم إياها –قولا- سدنة هذه الأفكار، بينما بقي هؤلاء المضللون المنظرون يتمتعون بملاذ الحياة، ويشحون بأنفسهم وأبنائهم على لهيب تلك النار، ويخرجون على المنابر أو أمام شاشات القنوات بلباس أنيق وجلد ناعم، فأين تعزب عقول من بقوا من أتباعهم عن أن يسألوهم: لماذا يصونون أنفسهم ويضحون بغيرهم؟ إذا كان نتيجة هذه الانفجارات جنة خلد عاجلة فلماذا لم نجد منظراً كبيرا منهم أو ابنا من أبنائه طرفا في هذا الانتحار والتفجير، فهل يا ترى آثر هذا الشيخ بالجنة غيره؟!

أعرفتم لماذا وصف المؤرخ القديم هؤلاء الضحايا بالغوغاء والرعاع والسذج؟!

السؤال الأهم في هذه القضية موجه للمتحمسين لكل فتنة في هذه البلاد سواء بالاندفاع جسديا فيها أو المشاركة من خلال التحريض عبر الانترنت أو المنابر الأخرى:

أراهن على أن أي قارئ للتاريخ منذ الطبري حتى ابن الأثير وابن كثير سيدرك أن جزيرة العرب هذه لم يتوفر فيها الأمن والعدل ويلم شعث قبائلها بعد عهد الخلفاء الراشدين إلا بعد أن قيض الله لها الملك عبدالعزيز- رحمه الله..

اسألوا كتب التاريخ عن هذه الجزيرة في عهد ازدهار الدولة الأموية، وكيف كان يبكي شعراؤها من الفقر الذي وصل بهم إلى العري

والجوع. وكيف كانت تبقر فيها بطون الحوامل!.. وكيف كانت القبائل يطحن فيها بعضهم بعضاً.

إن قراءة لواحد من مصادر التاريخ القديمة كفيلة بأن تلجم كثيرا من أصحاب الشعارات المثالية، وترد الرشد لمن في رأسه عقل يهديه.

ليس تفجير القديح انتصارا للسنة على الشيعة، ولا مقتل الشهيد الغامدي كان نصرا للإسلام، ولا ضحايا تفجيرات الرياض أو القصيم ذات أهداف دينية سليمة، بل هدفها تدمير هذا الوطن، وتفتيت وحدته؛ لأنها في كل مرة تدخل مدخلا مختلفا، وتلبس لكل حالة لبوسها.

إن التعايش بين السنة والشيعة واجب وطني، لا يخل به إلا من في قلبه مرض، أو له مآرب خبيثة، يستغل الأزمات، ويبث سمومه. وإن من يجعل هذه الحادثة شماعة للإساءة لوحدة هذه البلاد فليس هدفه نصرة أحد الفريقين، وإنما استغلال السذج وتهييج حماسهم؛ كي يكونوا أدوات لتحقيق مقاصده.

خطاب خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله– كان حاسماً وواضحاً، وصف فيه هؤلاء المفسدين بالإرهابيين الآثمين، وتوعد كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة البشعة بأنه سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة وسينال عقابه الذي يستحقه، وأن جهود الدولة لن تتوقف يوماً عن محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم. وخطابه – يحفظه الله – جليٌّ غير موارب؛ فلم ينظر للشيعة على أنهم أقلية أو في طرف من البلاد، بل تجاوز في تسميتهم إلى أهل بدلا من شعب؛ ليؤكد حميمية العلاقة بين القائد وأبنائه من مختلف المذاهب والأطياف.

ولا شك أن حكومة خادم الحرمين سجلت حضورا زاهيا في الداخل، وحددت معالم شخصية الدولة القوية في الخارج، وهذا ما يغيظ أعداء هذا الوطن بعد تبين جرأة قرارات القيادة، وعدم قبولها للمساومة، الأمر الذي جعل الأعداء يشتغلون لهز الوحدة من الداخل؛ كي تضطر الحكومة للتنازل عن بعض مواقفها الخارجية الحاسمة.


3 pings

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com