تقرير “التعليم”.. خلال 20 سنة: مشارط الجراحين تتحسس مواضع الألم


العودة للمربع الأول.. الهيكل:

تقرير “التعليم”.. خلال 20 سنة: مشارط الجراحين تتحسس مواضع الألم



محليات - إخبارية عرعر:

تترقب الأوساط التربوية والثقافية والاجتماعية بداية العام الدراسي الجديد، الذي يعاود الركض الأحد المقبل، حين تتحرك جحافل بشرية ضخمة لأول مرة ضمن منظومة إدارية موحّدة، بعد دمج وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم في وزارة واحدة تحت مسمى “وزارة التعليم”.

خلال 20 سنة مضت؛ سيطر الحراك الإداري وإعادة هندسة الهيكل التنظيمي على النسبة الأكبر من وقت القياديين في جهاز كبير بل هو الأضخم على الاطلاق، ينتمي له اليوم أكثر من 70% من العاملين ـ حسب مصلحة الإحصاءات العامة ـ وخضع هذا الجهاز الثقيل لعمليات جراحية معقدة، لإصلاحها عبر عقدين، إلا أن نتائج العلاج الجراحي لم تظهر للميدان التربوي على مستوى الكيف لا الكم فحسب ــ على الأقل ظاهريا ـ وذلك يتضح فيما يُنشر إعلاميا، إذ ينقل غالب الرأي الصحفي السلبية والنقد الاجتماعي المتواصل، بناء على اعتراف الوزارة نفسها على ألسنة المسؤولين وبحسب تقارير “الشورى” ودراسات علمية منشورة.

هياج إعلامي انتهى بعزل الرشيد

أُنشئت وزارة (المعارف) عام 1373هـ، ومنذ ذلك التاريخ تعاقب على حقيبتها 9 وزراء، شهدت خلالها نقاشات لم تهدأ وقرارات إدارية في كل اتجاه، بدءا بإسقاط إدارة وإنشاء أخرى أو إعادة الأولى وتعويم الثانية مرورا بهياكل تنظيمية غير مستقرة وانتهاء بمشاريع كبرى مفتوحة.. كثيرا ما يحصل كر وفر بين أطراف عدة وأفكار متباينة داخل هذا الجهاز ظاهريا وخلف الجدران، بدأت وتيرتها بوضوح في أواخر فترة الدكتور محمد الرشيد رحمه الله “أول وزير للتربية والتعليم وآخر وزير للمعارف”، عندما تم دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات بوزارة المعارف، تحت مسمى “وزارة التربية والتعليم” عام 1423هـ، حيث شهدت أطول فترة جدل بين رأيين كلاهما على حق “من وجهة نظر كل فريق”، كل يريد أن ينتصر لرأيه؛ فيثبت الأول أن الأولاد والبنات سيكونون في فصل واحد؛ ولذلك استطاع فريق منهم أن يمنع طباعة الكتب الموحّدة مدة من الزمن، بينما اجتهد الفريق الآخر ليثبت العكس، وأن الأمر مجرد عملية إدارية.. وانقضت السنوات سريعًا؛ ليتم عزل الوزير الرشيد ومات شعاره معه “وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة” على خلفية الهياج الاجتماعي وقتها.

“مقص” العبيد .. هل أصلح أم أوجع؟!

دخل الدكتور عبدالله العبيد من باب “حقوق الإنسان” محمّلا بأفكار مسبقة، بأن الوزارة مثقلة بالأخطاء والمشروعات المكلفة ماليًّا وبشريًّا؛ فأوقف الوزير الخطة العشرية وهي أول وآخر خطة مدتها 10 سنوات، أُعُتمدت في الشهر الأخير قبل عزل الرشيد، وبدأ الوزير الخلف يخطط من جديد ويعمل، واستغرق ذلك 4 سنوات أخرى نجح في جوانب وأخفق في أخرى، ووصف المراقبون تلك الفترة بأنها فترة “إعادة التوازن” التي كان “المقص” شعارها، حيث رأى الوزير الجديد أن من الأصلح التخلص من 50% من الإدارات والوكالات القيادية والعاملين في جهاز الوزارة، وأعاد للميدان أكثر من 400 مشرف تربوي، شهد هذا القرار حالة من الحنق لا مثيل لها، وكانت شكوى المشرفين وقتها من الطريقة التي أعيدوا بها إلى الميدان بعد أن تحول هذا القرار الإصلاحي إلى تصفية حسابات في ظل غياب معايير اختيار الأصلح “من وجهة نظرهم” وهي الشكوى التي تنمو حتى اليوم .

فيصل بن عبدالله.. آمال الناس أكبر

ثم جاء الأمير فيصل بن عبدالله من ميدان عسكري، وعاد الهيكل الإداري أكبر مما كان عليه في عهد الوزير الرشيد.. هيكل ضخم مكون من وزير ونائب وزير بمرتبة وزير، ونائب للبنين ونائب للبنات و11 وكالة وعشرات الإدارات الفرعية، وبدأت رحلة جديدة لترتيب البيت الداخلي، وشُكلت اللجان لوضع الهيكل الداخلي والصلاحيات، والبدء في وضع استراتيجية جديدة للتعليم، قيل إنها بدأت من حيث انتهى الآخرون، هذه الفترة كانت نشطة جدا، أعادت إلى الأذهان ما سُمي بالفترة “الذهبية” التي تولى فيها الوزير الرشيد حقيبة التعليم.. فترة الوزير الأمير اتّسمت بالهدوء الإعلامي في السنوات الثلاث الأولى، قياسا إلى مكانة الأمير وقربه من الملك، إلا من أخبار بعض الخريجين والخريجات الذين يطالبون بالتعيين ومطالب النقل التي لا تنتهي.. ثم بدأت الآراء تتحدث عن حراك لم يثمر عن نتائج، ولم يصل للطالب والمعلم، في حين رأى آخرون أن سقف توقعات المعلمين والمجتمع ارتفعت كثيرا باعتبار أن الوزير أمير ومقرب من الملك؛ ولذلك لم يشعر المجتمع بالفارق مهما كانت النتائج.

خالد الفيصل.. ترحيب ووداع سريع

جاء تعيين الأمير خالد الفيصل وزيرًا للتربية والتعليم مفاجئا من حيث التوقيت، ولم يكن غريبا.. فالقرار هذه المرة أعاد للأذهان صحة التوقعات عندما سرت شائعة قبل عامين من تعيينه فثبت صحتها، تقول إن قرارًا وشيكًا سيصدر بتعيين خالد الفيصل وزيرًا للتربية والتعليم، وصدق المنجمون هذه المرة، وحظي القرار بترحيب واسع؛ نظرًا لحجم محبة الناس للأمير الشاعر والفنان والأمير القوي.. الصحف لم تهدأ ووسائل التواصل الاجتماعي امتلأت بالأصوات المرحبة، وقليل من الأصوات الأخرى التي لها مواقف شخصية مع الأمير. المعلمون تناقلوا كلمته ” يجب أن يحصل المعلم على أعلى راتب”، ووسائل التواصل الاجتماعي احتفلت بأبيات شعره في الحكمة والغزل معا ومقولات مؤثرة وقرارات صارخة خلال 40 سنة كان فيها أميرا بارزا لأمارتين . بدأ الوزير مختلفًا كليًّا عن جميع من سبقه، حيث منع الحديث عن إعادة الهيكلة وامتنع عن بناء استراتيجية جديدة للتعليم حتى يطّلع على تفاصيل ما يحدث، وغرق جدول مواعيده بزيارات القطاعات المختصة في الوزارة؛ لتعرض كل إدارة ما لديها. وبعد أقل من 3 أشهر أكد الأمير أن استراتيجيته هي تنفيذ ما هو موجود من برامج ومشروعات وصفها بــ “الرائعة”، ولأول مرة وزير خلف يصف للناس ما قام به الوزير السلف وفريقه بــ “الرائع”! بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال: إن “مهمته هي التنفيذ فقط”، وحظي مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم “تطوير” بأضخم دعم له على الإطلاق، عندما دُعم بــ 80 مليارًا لتنفيذ 11 برنامجًا، كان يؤمل أن تنقل التعليم إلى “العالم الأول” وهو حلم الوزير الأمير، ووصلت للناس معلومات تشير إلى أن الوزير انتهى بالفعل من عملية استقطاب كفاءات جديدة كليًّا، كانت جاهزة لقيادة 29 إدارة تعليمية برؤية مختلفة في أضخم عملية إصلاح، لم يُكتب لها التطبيق؛ نظرًا لقصر مدة بقاء الأمير في منصبه التي لم تتجاوز عامًا واحدًا، ومن هنا لم يستطع الخبراء والمراقبون أن يصفوا تلك المرحلة أو تُقرأ بشكل منصف، لكنها بكل تأكيد أراحت بعض العاملين في الوزارة وفي مشروع “تطوير” الذين تنفّسوا الصعداء!.

عزام الدخيل.. بيروقراطي لأول مرة

اليوم يتولى الدكتور عزام الدخيل ملفًّا ضخمًا، وتعود إلى الواجهة من جديد مطالب داخلية بإعداد الهيكل الإداري ومطالب إعلامية تقليدية بوضع استراتيجية للتطوير.. يبدأ “عزام” مهمته الصعبة بلا نواب، وبلا هيكل موحّد، وزارتان هما الأضخم والأكثر جدلاً والأشد أهمية، توضعان في سلة واحدة، ويحملها وزير لم يعمل في يوم من الأيام بجهاز حكومي بيروقراطي، جاء من بيئة مالية مرنة، لا تعترف بالأوراق كثيرًا. العاملون في مكتبه واجهوا صعوبة بالغة في إقناعه بتوقيع الأوراق التي تراكمت كالجراد، ومنذ أول يوم له في الوزارة قال إنه سيداوم في المدرسة!

المراقبون صنّفوا الوزير سريعًا، ووصفوا مرحلته بأنها “مرحلة السلفي” في إشارة إلى التقاط سيلفي في أول يوم له في الوزارة، عندها قال للمعلمين: “إنني أحبكم”. وحلّق المعلمون ينتظرون ترجمةً لكلمته على الأرض.. ثم قال الوزير في تصريحات إعلامية: “إنني التقيت مجموعة من الطلاب، واجتمعت مع خريجين ينتظرون التعيين منذ 6 سنوات، وأكدت لهم أن الموضوع في طريقه للحلّ”. وأضاف: “فاجأني شاب متحمس من الخريجين بأنه ظل يتمنى هذه اللحظة طويلاً، وكادوا جميعاً يحملونني على الأكتاف بعد أن بشّرتهم”. هذه البشائر للمعلمين والخريجين صدرت من الوزير غير البيروقراطي، كان يعتقد أن اجتماعًا مع وزيري المالية والخدمة المدنية كفيل بحل المشكلة وتعيين الجميع، إلى أن شاهد هؤلاء الذين تمنوا حمله على الأكتاف وقد انضموا لصفوف الشتّامين عبر “تويتر” وهاشتاق المطالبة بعزل الوزير! وعاد الجدل يحيط بجهات الوزارة الأربع بعد قرار “فصول التحفيظ” في مدارس التعليم الذي ينتظر التفعيل هذا العام.

عام دراسي بلا كلمة مسجلة

العام الدراسي على الأبواب، ولن يلقي الوزير كلمة مسجلة، كما جرت العادة من الوزراء البيروقراطيين السابقين، لديه ملفات صعبة بدءًا بالمناهج التي سئم الناس الحديث عنها منذ وثائق التأليف المنشورة عام 1418هـ، واختفت في ظروف غامضة، وصولاً إلى المعلمين الذين لا يعرفون ماذا يريدون بالتحديد، فكل ما يتحدثون عنه هو المطالبة بالحقوق ـ أيّ حقوق؟! ــ؛ لعدم وجود قناة تواصل فعّالة للحقوق والواجبات، ثم العنصر الأساسي الذي من أجله جيء بهؤلاء الوزراء ونوابهم السابقين، ـ وهو “الطالب/الطالبة” ـ الذي تتربص به عصابات داعش وتجار المخدرات وشبح البطالة؛ نتيجة الفصل بين ما يتعلمه الطالب وما يريده الأغنياء أصحاب الأعمال.

العودة للمربع الأول.. الهيكل!

مصادر مقربة من الوزير قالوا إن أولويات العمل الآن تتركز في توحيد الإجراءات والمواءمة بين التعليم العام والجامعي، والربط بين الجهازين، والبداية أيضا ستكون بإعادة الهيكلة! أي العودة للمربع الأول مرة أخرى، وعامل الزمن هنا مهم، للانتهاء من هذه الخطوة، وذهبت بعض الآراء تنادي بالعمل من غير هيكل وخطة وشعارهم “الخطة والهيكل مجرد شعار يمكن لصقه بعد الانتهاء من الإنجاز” فلا يعطّل هذا الملف بقية الملفات المعلقة.

كل هذا جرى ويجري في التعليم العام.. ماذا جرى ويجري في التعليم الجامعي؟! كان الله في عون وزير الوزارتين.


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com