بحارتنا إرهابي


بحارتنا إرهابي


نواف الرويلي
نواف الرويلي
         

إقرأ المزيد
( ياسعد.. تكفى )
بحارتنا إرهابي
التفاصيل

وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2639298.html

من منا لم تدمع عينه , أو يهتز كيانه لتلك الجريمة البشعة التي يقتل فيها الإبن والديه, وهي مما يعجز العقل عن تصورها, فضلا عن أن تكون واقعا نعيشه, ونراه.

ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب.

إنها المخدرات, التي تغتال العقول, وتزهق الأنفس البريئة..

فهذا يقتل والديه, وذاك يقتل قريبه, وآخر يسرق, وذاك يخطف الأطفال والأحداث لفعل الفاحشة, والآخر يقتحم البيوت ويروع النساء والأطفال…

في سلسة لاتنتهي من الجرائم ونتائج الإدمان.

إن المخدرات أعظم عدو يغتال شبابنا أمام أعيننا, بل هي والله أعظم خطرا من المتفجرات, ومروجوها أخطر على شبابنا من أهل التكفير والتفجير, وأنا أعني ما أقول؛ فإن الإرهابي يقتل نفسه ويقتل غيره, وينتهي شره, ومن قُتل بيده فنرجو له الجنة إن كان على خير وصلاح.

أما مروج المخدرات, فلا يزال يفتك بشبابنا, فتذهب عقولهم – وتلفُ الأجساد أهون من تلف العقول – فيبقى هذا المدمن الضحية يفسد في الأرض, فلا يموت إلا وقد أسقط غيره في هذا البلاء, مع ما ارتكبه من الفواحش, والإغتصاب, والسرقات, والمضاربات, والتفحيط ..

بل حتى جرائم القتل, فالمخدرات كانت وراء معظمها.

فهذا القاتل لوالديه هو ضحية لهؤلاء المروجين, أليس من أعطاه (البرازيلي) ليقتل, هو مشارك له في الجريمة؟ بلى والله, بل هو رأسها وأسّها.

وكم حصل أيضا من طلاق, وتفككت أسر, بسبب المخدرات.

ولا يزال هذا المروج الإرهابي يسرح ويمرح بلا حسيب ولا رقيب.

لاتظنوا أن مروجي المخدرات يعيشون في الكهوف, وجزر البحار, بل لو سألت عينة عشوائية – من شباب شارع عشرين بطريف – عن المروجين, لاتفقت إجابتهم, فالحشيش يبيعه فلان وفلان.. , والكبتاجون يتخصص فيه فلان, والبرازيلي تجده عند فلان..

أما الرأس الأكبر (بل الشيطان الأكبر) الذي يموّل كل هؤلاء فهو (فولان).

فلا يلزم أن تجعل الملايين لمن يخبر عن المروجين, فهم معروفون حتى عند النساء والأطفال .

كما أن الأمر يعظم خطره بانتشاره, فكم هي نسبة المتعاطين مقارنة بأصحاب الفكر الضال من التكفيريين؟! وهل الجهود المبذولة لمكافحة المخدرات, كالجهود القائمة لمحاربة المتفجرات؟!

لاشك أننا شاكرون لجهود الدولة في محاربة الإرهاب, لكننا نطمع بمثلها لمحاربة إرهاب المخدرات.

في حديث مجالسنا, الجميع متفق أن المخدرات أصبحت آفةً تهدد المجتمع بأكمله, وقد قرأتُ بالأمس تقريرا في صحيفة سبق أن عدد قضايا المخدرات لعام 1435هـ واحدٌ وأربعون ألف قضية تقريبا, وبالضبط (40809) قضية, وبعملية حسابية بسيطة يتبين أن المعدل اليومي (112) قضية, بواقع قضية كل ربع ساعة.

مع استحضار أن هذه هي القضايا المضبوطة – بالجهود الحالية – , فكم هي القضايا الغير مضبوطة ؟!!

إن هذا الوباء, وهذا الطاعون بحاجة لوقفة صادقة من جميع مرافق الدولة, ومن الدعاة, والخطباء, والأطباء, والأكاديميين, والمفكرين..

وإليكم ياكرام بعض الحلول التي أرجو أن تكون لبنة في بناء الإصلاح:

1- حفظ الناشئة من أن يكونوا ضحية جديدة لإرهاب المخدرات, وذلك بالتوعية من سن الثامنة, وأضرب لكم مثلا رأيته بعيني. في هولندا يسمح بتقديم الهيروين والمخدرات بأنواعها في المقاهي, ومع ذلك يندر بل يكاد يُعدم أن تجد الشباب قد سقطوا في شباكها, بل لايتناولها إلا الوافدون, وقليلٌ من الجهلة والسذج, فلا ترى شبابَهم فتكت بهم المخدرات, ولئن سألتَ عن الأسباب, أتاك الجواب: هو ((التوعية)) ولا شيءَ غيرها.
فيبدأون مع الطفل في الصف الثاني ابتدائي, بعرض فيلم وثائقي يبين خطر المخدرات, ثم يظهر المتعاطي في الفيلم, وقد تفجرت عروقه, واسود جسده, وسقط على وجهه ميتا, في منظر فظيع, ومشهد مريع.

فلا يزال هذا الطفل يخاف من ذكر المخدرات, فضلا عن أن يقع فيها.
وهذا يبين لنا أن محاربتها بالإقناع والتعليم ، أجدر وأولى وأنفع من محاربتها بالسجن والتجريم – والكلام في الضحية المتعاطي، أما المروجون فالسجن والقتل والتنكيل هو الدواء النافع، والعلاج الناجع – .

وهذه رسالة لوزارة التعليم بأن تقيم البرامج التوعوية للطلاب بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية, ووزارة الصحة, ومكافحة المخدرات.

فالداعية يبين خطرها على الدين, والطبيب يبين ضررها الصحي, وضابط المكافحة فيما يخصه. فالعملية تكاملية تتنوع فيها المناشط والبرامج والعروض.

2- إقامة المراكز المتخصصة لعلاج المدمنين, والمتعاطين عموما.

ونحتاج إلى مراكز متخصصة في جميع المدن والمحافظات, فيها الملاعب والمسابح, وفصول المحاضرات, وقاعات التدريب.

أما ما يسمى بمستشفيات الأمل, فلا يقوى على الوقوف أمام هذه المعضلة بإمكانياته الحالية المتواضعة والبدائية. ولا يفي بعشر العشير في مواجهة هذا المارد الجبار.

بل وللأسف الشديد فهناك من دخل مستشفى الأمل ليبرأَ من إدمان الكبتاجون, فخرج وهو يعرف كيف يتعاطى الهيروين, مع الدعاية العظيمة التي قدمها له مدمنوا الحشيش والهيروين, فحال مستشفى الأمل كحال السجون عندنا, يدخلها السارق, فيخرج منها خبيرا بطرق التهريب.

وفي أحد الزيارات لمستشفى الأمل, سألت المشرف على النزلاء, هل ينتفعون بالعلاج فلا يعودون للمخدرات بعد خروجهم؟

فقال: بل للأسف فغالب من يخرج يعود للتعاطي.

أقول: لاغرابة فالجسم يحتاج لستة أشهر- كما يذكر ذلك المتخصصون- حتى يتخلص من مادة الحشيش –على سبيل المثال- ومع ذلك يخرج من مستشفى الأمل خلال شهر واحد كحد أقصى.

وغالب العلاج هو مهدئات فقط, فإذا خرج عاد للمخدرات بشغف, ليعوض مافاته أيام تركها, فيزداد الأمر سوءً.

مع العلم أنه ليس كل أحد يحالفه الحظ فيقبله مستشفى الأمل, فلا بد من الشفاعات والواسطات لدخوله !!

إن مراكز العلاج في الدول الأخرى يبقى فيها المدمن عاما كاملا, لايُعتمد فيها على المهدئات إلا في هامش العلاج وبدايته, بل على إقناعه, وتعليمه, وتدريبه. فلا يخرج منها إلا وقد شفي تماما.

وبالمناسبة فهذا هو ما أمر به قبل أيام أميرنا حفظه الله, أمير منطقة الحدود الشمالية الدكتور مشعل بن عبدالله بن مساعد آل سعود, بأن يتم القبض على المدمنين, وعلاجهم, ولا يخرجون إلا بتقرير طبي, يتضمن شفاءه من الإدمان تماما, وهو أمر يشكر عليه, وخطوة عظيمة في طريق الإصلاح, والأمل به بعد الله أن يكون سببا في القضاء على هذا الوباء المنتشر بين شبابنا.

3- تفعيل منبر الجمعة, وتوعية ولاة الأمور بخطر هذه المخدرات, وتذكيرهم بأمانة الأولاد, وأن ينشؤون أبناءهم على الإستقامة على دين الله, ويحفظونهم من رفقاء السوء, فهم أساس كل بلاء.

ولا ننسى ( أن المدمن قنبلة موقوتة تكاد تنفجر فتدمر – فماذا ننتظر؟ )

هذه أيها الفضلاء كلمات يسيرة, هي بعض مايختلج في نفسي, أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلها نافعة لقارئها وكاتبها, وأن تكون خطوة في سبيل الإصلاح, ولعلها توقظ نائما, أو تنبه غافلا. والله المستعان, وعليه التكلان .

(( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت , وما توفيقي إلا بالله ))

نواف بن معيوف الرويلي
عضو الدعوة والإرشاد بعرعر


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com