لأنّه الأب


لأنّه الأب



تغنيتم بالأم كثيرًا وكثيرًا جدا وأنا هنا لا ألغي مكانتها وفضلها بعد الله وماتمتلكه من خصائص عجيبة وقدرة خارقة للقيام بدورها وكأنها ضفة نهرٍ أنت فيه فتراها ترقبك وأنت تنعم بلهوك ولعبك في النهر وأنت في مأمن بعد الله وهنالك على الضفة الأخرى يقبع الأب وما أدراك ما الأب ..
الأب ياسادة هو ذلك الركن الصلب الذي لايتهادى إليه التعب ، ركنٌ تعجز كلماتي عن وصفه ، تتهاوى الأحرف أمام عظمة أفعاله ( الصامتة ) لأنه لايتحدث عنها أبداُ فالحديث عنها في نظرة قد يُضعِفُ عزيمته لأنه واجهة الأسرة في التصدي للحياة وحجابها عن كل ضار ، ومن شدة صلابته يقابلها وجهاً لوجه كي تحتمي أسرته خلف ظهره ( السيلم ) رغم آثار الجراح على وجهه وصدره والتي تشكّل بعضاً منها بالتجاعيد التي تبقى مع الزمن وكأنها مجرى الحمم على على جانبي فوهات البراكين .

ففي دقائق قليلة أريد منك عزيزي القارئ أن تعود بذاكرتك وتسترجع أباك ، بل استرجع تفاصيل علاقته معك ، وأقول التفاصيل لأن ماتفعله الأم معك واضح لايحتاج إلى شرح ، أما الأب فتحتاج إلى أن تغوص في تفاصيل وأهداف ماكان يفعله .

فكم من المرات دخل عليك مبتسما حاملاً ماجادت به يمينه ليسعدك رغم أنه في عمله ربما عانى الأمرين سواء من سوء إدارة أو مراجعين أو ظروف عمل سيئة لايتحملها أحد غير الأب لأنه مسؤول ومع هذا لايتحدث أمامك بتلك العواصف التي تُلِمّ به كي لايُفسِد فرحتك ..

وكم من المرات يحملك على ظهره ولايشتكي رغم ثقل الدنيا على كاهله فلست الوحيد على ظهره ، والدنيا بأكملها تشاركك ذلك المكان ومع ذلك لم ينحنِ ، وكم من المرّات يتعب ولا يرتجي الراحة ويُظلم ولا يطلب الإنصاف ويعجز ولا ينتظر المساعدة ويقصّر بحق نفسه ولاينتظر العطاء وتغصّ حنجرته بالكلام ولا يبوح ويبكي ولا يُخرِج الدموع ويكتم غيظه ولا يفكر في الانتقام ..
ألا تعلم كم من المرات اضْطُرّ إلى أن يتنازل عن جزءًا منه لأجل أسرته ، وسكت عن مظلمة وتصرف بحكمة رغم ألم الشعور وتجاوز عن إهانة كي لايفقد عمله أو رزقه وليحافظ على قوت أسرته ، ألا تعلم أنه مريضٌ غالباً وإن رأيته قوياً ، مريضٌ من كثرة الصبر والتحمل والمجاراة والسكوت والتجاوز الذي ربما يطال أعماقه ويجعله لاينام ، و يا لذلك المنام الذي تنعم فيه أنت وهو يفتقده وكم من الليالي بات فيها شارد الذهن كي تستهدِ أنت للطريق الصحيح ، يبني لك سمعةً تيسر لك الطريق ويتابع متغيرات الحياة لتواكبها .

كل ذلك لأن الأب سورٌ متين وحصنٌ حصين من جُنحِ الأيام والسنين ، فأتعجّب من قوة ذلك الأب حينما يرمي بكل متاعب الحياة خلف ظهره ليستقيم بيته وتُحاط أسرته بالأمان ، واسألوا الفتيات عن الأب والفتيات بالذات لأنني أعتقد أنه لم يُنصف الأب سواهنّ فهنّ له كالبلسم الذي يضمد جراحه رغم كبرها .
أعرفت من هو الأب ؟
رحم الله الآباء الأموات وحفظ الأحياء ، تفقّدوهم فهم لايطلبون وأثنوا عليهم فهم لايستجدون واعطفوا عليهم وإن لم يطلبوا .


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com