الموهوبين والرعاية المأمولة


الموهوبين والرعاية المأمولة



[B][SIZE=4][FONT=Arial Black][ALIGN=JUSTIFY]
تفتش الأمم بكل إمكاناتها عن أسباب تقدمها ورفعتها فلماذا لا نفعل بنفس الحماس اجتهادا ُ لأنفسنا وطلبا ً للرقي الذي نستحق فقد حبانا الله من العقيدة القويمة والفطر السليمة والعقول النيرة ماحبــانا ؟ ، مكانتنا في أول الصفوف تنتظرنا وما يمنعنا سوى وهم التخلف وما يوصلنا إلاّ الإيمان و التفاؤل والنقد البناء والعمل الدءوب .
من هنا نقول.. أن من أبرز مفاخر الأمم ومن أعظم أسباب تألقها أبناؤها الموهوبون في شتى مناحي الحياة ، في القيادة والعلوم والطب وفي سائر الفنون ، الملك عبد العزيز موهوبٌ في القيادة انجذبت له القلوب فوحّد أمته ووطد أركان دولته دون إمكانيات تذكر عدى ما منحه الله من كاريزما القيادة وما تحويه من معاني ، اينشتاين غير مجرى التاريخ أو كاد عبر نظرياته المذهلة في مجال الرياضيات والفيزياء ، وكذلك فعل أديسون حين أضاء أول بيت في العالم .
قد يتمكن الموهوب من نصر أمته في مجالٍ هام من مجالات الحياة كما فعل نيوتن يوم منح بريطانيا فرصة حاسمة للتقدم وحقق لها السبق باختراعاته المذهلة يومذاك وقد ينفع البشرية كما فعل جراهام بل أو باستير أو المكتشفون الأوائل أو الأطباء النوابغ .
كم من الرؤساء والوزراء تعاقبوا في البرازيل لم نعرفهم ولم نسمع عنهم ، إنما نعرف بيليه نابغة كرة القدم كلما ذكرت تلك البلاد كأنما هو رمز وفخر لوطنه ولقومه ، يقدر الفرنسيون جاك كوستو عالم المحيطات ويعاملونه معاملـــة الرؤساء ويفاخر الروس بتوليستوي ورواياته الخالــــدة و الإيطاليون بدافنتشي ومواهبه المتعددة .
هكذا ندرك أن موهوبا واحدا ً ذكرا ً أو أنثى قد يصنع لوطنه من أسباب الخير ما لا يصنعه جيش من الرعاع فإذا أدركنا ذلك وسلمنا بالفروق الفطرية في مستويات الذكاء والإبداع ، وعلمنا أن الله جل شأنه قد قسم العقول والأفهام متفاوتةً كما قسم الأرزاق والأشكال وأنه خص بعضنا بقدرات فائقة على الخيال والاكتشاف والاختراع سنعرف حينها الأهمية العظيمة لمن يسمون الموهوبين وأنهم المنجم الثري الذي يجب أن يعتنى به ويولى ما يستحق من الرعاية ، تهيأ له البيئة المناسبة والسبل الكفيلة لبلوغ أهدافه لننتظر من عطاءه العلماء والقادة الملهمين ومن درره أعظم المفكرين والفنانين ، هذا المنجم هو مجموعة الموهوبين من الأبناء والبنات في شتى الاتجاهات الدينية والاجتماعية والعلمية والرياضية والفنية ، فما أحوجنا للمفتي الفقيه وللقاضي الفطين والطبيب البارع والمكتشف الذكي والمخترع المبدع واللاعب المتفوق والفنان اللامع الملتزم بثوابت الدين وصالح العادات والتقاليد .
لماذا لا نتوقف لمراجعة ما نفعله بشأن موهوبينا ، وهل هم ثروة مهدرة حقا !؟ أم أنهم ينالون ما يستحقونه وما يستحقه الوطن الذي ينتظر عطاءهم ، ماهي سياستنا في رعايتهم مقارنةً بمن سوانا من الأمم .
لنستعرض فيما يلي جوانب هامة وعامة من ذلك تاركين التفاصيل المهنية لأهل الاختصاص فقد لا نحسنها وما يهمنا هو ترسيخ القناعة وتعميق الإدراك .
الموارد البشرية عامة والموهوبين المهيئين من أبناء الأمة خاصة هم أجدر وأولى الموارد بالاهتمام والرعاية ، هم الغاية والوسيلة في آن واحد .
أولا: من هو الموهوب الذي نبحث عنه :-
هو كل من يملك قدرة خاصة ذهنية أو جسدية ملاحظة ومميزة عن قدرات أقرانه ، ويكفي أن يكون موهوباً في مجال واحد فإن كان في أكثر فذلك أفضل ولكن المألوف أن يبدع في صنعةٍ أو علمٍ واحد .
ثانيا: أهميته :-
نبحث عن قائد فذ أو طبيب مبدع أو فنان عالمي يرفع اسم الأمة وعلم الوطن بفنه الأصيل ويبرز للعالم ما تملكه الأمة من صدق الإحساس وسعة الخيال ، نفتش عن رجال ونساء ذوي مهارات خاصة وقدرات عالية على الفهم والإبداع ، نساعدهم في تجاوز عقبات الحياة ونهيئ لهم أفضل الظروف ليصلوا إلى المراكز التي يستحقونها إذ هم اقدر الناس على القيام بحقها ومن هنا تنبع أهميتهم ، من قدرتهم على التفوق والابتكار فإن عجزوا فسواهم أعجز .
ثالثا: أين نجدهم :-
ليس للموهوب مكان محدد نبحث عنه فيه ، قد يأتي من قصر منيف كما قد يوجد في بيت شعر أو كوخٍ صفيح يأتي من كنف الوالدين أو من صقيع اليتم والفقر ، تلك مواهبُ قسمها الله بين عباده كما قسم الأرزاق ، برناردشو جاء من الفقر والحاجة ومارادونا جاء من مدن الصفيح حول بيونس آيرس ، طه حسين جاء من القرية مقيدا ً بالعمى ومطلقا ً بالموهبة والذكاء ، فان جوخ كان معدما لا يملك سوى الموهبة ، وإذا سألت رجال ونساء التعليم ستجد ذلك متجسداً في مجتمعنا فليس لهم مكان معلومٌ يأتون منه إنما على الباحثِ الصبرَ والمتابعة كمن يبحث عن كريم الجواهر بين الأحجار أو كمن يبحث عن الصقر النادر بين أسراب الطيور.
رابعا: كيف يمكن ملاحظتهم واكتشافهم :-
القناعة الراسخة لدى كوادر التعليم ولدى الأسر السعودية بأهمية وجدية ما نحاوله وما نسعى إليه هي الضمان الأهم والعامل الحاسم في الموضوع ، من هنا تنبع أهمية بث الوعي لدى المجتمع وإقامة المحاضرات لمنسوبي التعليم وتنظيم الدورات والبعثات للمتخصصين لتكتمل البنية الأساسية الضرورية ولتُحمل المسؤولية عن محبة واقتناع ، عندها سيكون من المتيسر اكتشاف الموهوبين ومتابعتهم ورعايتهم ..
ومن الناحية المهنية يمكن على سبيل المثال أن نرصد :
أ – توجيه المدرسين للاهتمام والمتابعة ورصد المواهب وتشجيعها والرفع إلى جهات الاختصاص التي تبادر لاحتضانها وتنميتها .
ب – تشجيع مكتشفي المواهب ماديا ً بالجوائز والأموال ومعنويا ً بالأوسمة والشهادات وإدراج أسمائهم في سير الموهوبين ونسبة الفضل إليهم في اكتشافهم .
ج- البحث عن المواهب الدفينة المتوارية خلف أبواب الحياء والخوف والتردد وضعف الثقة بالنفس والتي هي صفاتٌ غالبةٌ في صفوف الأطفال والمراهقين ما لم يعترف بمواهبهم ويمنحوا الثقة ، فبسبب بعض القيود والمحاذير الاجتماعية يحجم الطفل عن ممارسة هوايته أو حتى الإفصاح عنها ، كما يجب الانتباه إلى آخرين يمنعهم الفقر أو المشاكل الأسرية أو الصحية أو سواها عن تبيان مواهبهم ، أما المتفوقون فموهوبون دون شك إذا اعتبرنا الذكاء والفهم السريع والتفكير القويم علائم موهبة .
د- يجب ألاّ يشترط تفوق الطالب الدراسي لاعتباره موهوبا ً ( كما هو معمول به في بعض المؤسسات القائمة ) مع أن التفوق أمر مستحب ومرغّب فيه ولكن لماذا نطلب من رياضي أو فنان أو عالم دين أن يكون متفوقا في الرياضيات أليس من الحكمة قبوله كموهوب في مجاله ورعايته على هذا الأساس ، خصوصا ً إذا علمنا أن بعض الموهوبين والنوابغ مقصرون دراسيا ً كإسحاق نيوتن أو بيل جيتس أو آخرين سواهم فأين الحكمة فيما هو مشترط الآن من التفوق في جميع المواد لسنتين متتاليتين.
خامسا آلية العمل :-
أ – إيجاد فرق عمل فعّالة ومدربة تدريبا ً جيدا ً للقيام بعمليات الاكتشاف ومن ثم الرعاية والمتابعة ، على أن تمنح الصلاحيات والميزانيات اللازمة لإتمام مهمتها ، سيمنحها ذلك ثقة المجتمع وثقة الكادر التعليمي مما سيحفز الجميع على العمل والإنتاج .
ب- التخطيط لمستقبل كل موهوب بصورة مستقلة وبالطريقة التي تضمن تنمية موهبته وبلورتها والإفادة منها .
ج- المتابعة المجدولة والمستمرة لحياته الدراسية والاجتماعية وتوفير الرعاية والدعم المادي والمعنوي له ولأسرته وإرشاده وتوجيهه في كل المجالات والظروف .
من الرعاية إنشاء نواد ٍ خاصة للموهوبين ذات إمكانيات مناسبة ومدربين أكفاء يساهمون في تطوير شخصياتهم وتنمية التفكير النقدي والاعتمادية والاستقلالية وروح المبادرة لديهم .
ومن الرعاية حمايتهم من شرور الانحراف والمخدرات والجريمة فالكثيرون منهم ذوو طبائع ميالة للفضول وحب الاستطلاع والثقة المتمادية بالنفس التي لا تتناسب ومراحلهم العمرية ما سيوقعهم في الإشكالات .
ومن الرعاية نصحهم وتوجيههم إلى ما يناسب معارفهم ومواهبهم وتثقيفهم وتعريفهم بما يدور حولهم من أمور الاجتماع والسياسة والفن والرياضة ما يرجى أن يساعد في بناء شخصياتهم .
ومن الدعم والرعاية بل من أهمها ، توفير المساعدات المادية لأسرهم المحتاجة فكثير من الأسر تصرف أبناءها عن متابعة دراستهم من أجل تحصيل لقمة العيش ، فما أكثر ما دفن الفقر وما طوى النسيان من مواهب … ، ينشغل الشاب بتأمين متطلبات الحياة ويغرق في همومها فتتباعد الأيام حتى ينسى ما كان يتقنه أو يحبه أو يميل إليه .
ينبغي حمايتهم من المشاكل الاجتماعية فالأسر التي يسودها العنف أو تنتشر فيها المخدرات أو المسكرات هي أسر غير صالحة لنمو المواهب ما يوجب انتزاعهم ونقلهم إلى دور رعاية خاصة ومدارس داخلية توفر لهم البيئة المناسبة .
مساعدتهم في تجاوز المواد الدراسية الأخرى سيسهل عليهم التركيز على ما حباهم الله من موهبة .
إيجاد مدارس متخصصة لكل العلوم الفنون ينتقل إليها الموهوبون إذا أكملوا الحد الأدنى من التعليم العام .
نستخلص من كل ما سبق أهمية إقامة نظام متكامل قويٍ ومتوازن لرعاية هذه الفئة الهامة والواعدة من أبناء الوطن وإسناد قيادته إلى رجال ٍ ونساء ٍ مدركين للهدف واعين لأهميته عارفين بالطريق ومسالكه لايغرقون في التفاصيل ولا يتيهون في دهاليز الروتين ، يضمنون أن لاتتسرب الواسطة والمحسوبية إلى قطاعهم ليصبح ناديا ً لأبناء الذوات من مدّعي الموهبة فيضيع القصد وتفسد الثمرة .
إذا تفكّرنا في أحوال الناس من حولنا سنجد أمما لا تملك موارد طبيعية إنما أنعم الله عليها بعقولٍ متميزة وأيدٍ فنية ماهرة أفادتها ورفعت شأنها حتى صارت من أغنى وارقى الأمم ( كاليابان وسويسرا ) .
الموهوبون ثروة حقيقية ورصيد هام ، يستحقون إن نقف معهم ونساعدهم على اجتياز عقبات الحياة وأن نمنحهم الفرصة لإفادة أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم بما حباهم الله .
ينبغي إدراك عدم شمولية النظام الحالي لكل أوجه المعضلة ( مع الإقرار بجهد القائمين عليه ) والعمل من ثَم عـلى إنشاء نظام متكامل قوي وإقناع أصحاب القرار في الدولة عموما وفي قطاع التعليم خصوصاً بضرورة هذا المشروع عسى أن تتوفر القناعة ويتوهج العزم في القلوب الناصحة .

[COLOR=darkred]سعيد بن شهاب العنزي
عضو مجلس منطقة الحدود الشمالية
عضو مجلس إدارة نادي الحدود الشمالية الأدبي[/COLOR]

[/ALIGN][/FONT][/SIZE][/B]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com