أميركا تتراجع والقوى الصاعدة يعلو صوتها.. بداية تشكل نظام عالمي جديد


أميركا تتراجع والقوى الصاعدة يعلو صوتها.. بداية تشكل نظام عالمي جديد



يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال ولايته الثانية مجموعة من القضايا الملحّة التي تهدّد نموذج القطبية الأحادية، الذي جعل أميركا القوة الأكثر تأثيرا ونفوذا في العالم.
لكن، هذه القوّة الأحادية بدأت تشهد، اليوم، بعض التأثر نتيجة التغيرات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط بالخصوص، أكثر مناطق النفوذ الأميركي الخارجي، فضلا عن تبعات بروز القوى الصاعدة الجديدة، وتأثيرات قضايا تغيّر المناخ وغيرها من الإشارات التي تدّل على تراجع الهيمنة الأميركية مما يؤدي إلى إضعاف دور أميركا وشرعية قيادتها للنظام الدولي.

هذه الإشارات تحدّث عنها الباحث العراقي نصار الربيعي، في كتابه الصادر حديثا تحت عنوان «دور الهيمنة الأميركية في العلاقات الدولية». وفيه يقول الوزير في الحكومة العراقية وعضو مجلس النواب العراقي «إن دراسة مسار الهيمنة الأميركية توضح بأن هنالك العديد من الإشارات التي تؤكد تراجعها”.

ويتابع “ما أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية في بداية العام 2007 والأزمة المالية العالمية الأميركية عام 2008 والتي عبرت عن أزمة الرأسمالية في كينونتها ومقوماتها إلا آخر الشواهد على هذا التراجع حيث يمكن لنا أن نقول إن بداية التراجع الحقيقي في قدرة الولايات المتحدة على لعب دور القائد تعود إلى السبعينات من القرن الماضي عندما فقدت سيطرتها على الإنتاج العالمي وبدأت سطوتها تتآكل في قطاع التمويل العالمي منذ تسعينات القرن الماضي ويواجه دورها الريادي الحالي في مجال التكنولوجيا تحديات شتى».

يتحدث الربيعي عن الهيمنة فيقول إنها «مفهوم أكاديمي حديث الاستخدام في العلاقات الدولية ويشير في أحد معانيه إلى السيطرة والتحكم من قبل قوة عظمى قادرة على توجيه النظام الدولي وفق قواعد معينة متفق عليها. تشاركها في هذا النظام مجموعة من القوى تمتلك من القدرات ما يؤهلها لأن تكون إحدى قوى النظام غير أن قدراتها لا تمكنها من تحدي القوة العظمى. يتسم هذا النوع من النظم الدولية بالاستقرار الكبير وذلك بسبب أن القوى المشاركة فيه راغبة وبطواعية في العمل مع القوة العظمى مما يضفي الشرعية على قيادة القوة العظمى (المهيمنة) للنظام».

أما الدولة المهيمنة فيقول عنها إنها «تلك الدولة التي تحوز من القوة ما يجعلها تتحكم في الدول الأخرى كافة بحيث لا تمتلك أي منها القدرة العسكرية على شن حرب عليها. وبتعبير آخر هي القوة العظمى الوحيدة في نظام دولي لا توجد فيه قوى عظمى أخرى ولا يتطلب بالضرورة أن تمتلك القوة العظمى القدرة على هزيمة كل منافسيها مجتمعين بل يكفي أن تكون هناك فجوة كبيرة وواضحة بينها وبين القوى الكبرى التي تليها.

«إن الهيمنة بهذا المعنى هي حالة دولة تضعف فيها المشاركة من قبل الدول الأخرى المكونة للنظام الدولي وتضيق فسحة المناورة أمام الدول جميعا وذلك بسبب غياب التنافس الدولي بين القوى الذي يخلق مساحة المناورة».

ويرى نصار الربيعي أن «نظرة فاحصة في مسار المستقبل تؤكد أن دور هيمنة الولايات المتحدة الأميركية البارز وعلى ضوء المتغيرات الدولية التي تتفاعل بين الدول الكبرى والتطورات داخل الدول الكبرى قد بدأ يأخذ أشكالا أخرى تعبر عن الواقع التعددي الذي يسود العلاقات فيما بين الدول المشاركة في توجيه النظام الدولي ولعقود قادمة.

«إن التوجه نحو التعددية يبرز لنا وبشكل جليّ أن ثمة نتائج محتملة متضادة ومتضاربة في بروز أكثر من قوة في العالم تمثل تحديا لوضع الولايات المتحدة الأميركية في هيكل الهيمنة العالمي وهو تعبير عن فعالية ومرونة النظام الدولي بكامله وفقا لما يستبطن من علاقات دولية كامنة تعبر عن المحتوى الحقيقي لهذا النظام». ويرى الربيعي أن التفوق العسكري وحده لا يخلق الهيمنة ولا العامل الاقتصادي وحده ولا التكنولوجي ولا غيرها من العوامل والمقومات الطبيعية لأن «التكامل بين العوامل هو الذي يخلق الهيمنة».

يقول «بالرغم من تاريخ الولايات المتحدة القصير نسبيا والذي لا يتجاوز الثلاثة قرون استطاعت هذه الأمة القوية والفتية لعب الدور الفاعل الأساس في حقبة من تاريخها والمهيمن في حقبة تاريخية تالية ولأكثر من نصف عمرها منذ نشأتها وتأسيسها كدولة اتحادية حتى يومنا هذا لأنها تمتلك بالفعل وتتكامل عندها بإطار مؤسساتي معظم القوة الإجمالية في العالم».

ويضيف أن «التنافس والتعاون التكنولوجي بين الوحدات الدولية ينبئ بأن الصراع القادم سيكون صراعا معرفيا يتزايد فيه دور العامل التكنولوجي ويتعاظم فيه دور القوة الاقتصادية».

وانتقل إلى القول «إن الصين الشعبية القوة الصاعدة قطبيا ستمثل مستقبلا الطرف الثاني في الثنائية القطبية مع الولايات المتحدة الأميركية… وإن خريطة القوى في العالم ستحتوي على قوى تتميز بأنها قوى قطبية وهي قوى مهيمنة والمتمثلة في الولايات المتحدة الأميركية الموجودة بالفعل والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية الموجودة بشكل كامن وستتمظهر قطبيتها في المستقبل ودول كبرى كاليابان والهند والبرازيل وهي قوى توازن داعمة أو مؤخرة لهيمنة القوى المهيمنة».


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com