محرضون على “النت”يزرعون الخوف و”الشائعات” ويهاجمون من يتصدى لهم ويكشف منهجهم المؤدلج


محرضون على “النت”يزرعون الخوف و”الشائعات” ويهاجمون من يتصدى لهم ويكشف منهجهم المؤدلج



عيد تاريخنا العربي نفسه بين حين وآخر، فالشخصيات بسماتها المتقاربة تظهر لنا مع كل حدث جديد، هذا دأب أمتنا منذ ما بعد الخلافة الراشدة وحتى هذه الساعة. ولا أقول فنداً إذا قلت: إن قارئ التاريخ الجيد يكاد يظفر بحصانة خاصة تقيه من الانجراف وراء بعض الأصوات المرتفعة والدعاوى التي تزعم خير الفرد والأمة؛ لأنه قد وعى نماذجها عبر قراءته لتاريخ قرون متعاقبة، وعرف أنَّ كثيراً من هذه الأصوات إنما تخطط لمصالح شخصية، وأهداف استراتيجية تصب في صالح حزب أو جماعة ظاهرة أو مستترة، أما مصلحة الأمة فلا تعدو شعارات يعطف بها أعناق “الغلابا” ثم يصبح هؤلاء المطحونون وقوداً لنار الفتن، بينما يبقى المنظرون في أبراجهم يترقبون حصاد المعركة.

التاريخ يسرد ذلك بدءاً من مغامرات “المختار بن عبيدالله” الطامحة، ومروراً ب”داعي الزنج” الذي زعم أنه منقذ لرقاب المعذبين والمظلومين، وباحث عن تحقيق الإنصاف المفقود ثم ما إن استوى على كرسيه حتى فتك بالأمة؛ فقتل داخل المساجد أكثر مما قتل خارجها، إلى أن أصبح أفراد المجتمع يأكلون أطفالهم، ثم جاء “القرامطة” زعماء أقدم دعوى اشتراكية، وأشدها بروتوكولاً في مسائل تحقيق العدل والإنصاف والمساواة، فلما تراءى لهم تحقيق بعض طموحاتهم السياسية فتكوا بالأمة حتى أفنوا مدناً برمتها، وتركوها وليس بها عين تطرف من إنسان أو حيوان -على حد تعبير ابن كثير-.

وعي المجتمع«حائط الصد» في الحفاظ على أمنه واستقراره والتمسك بوحدته:

كل التحريضات التي يؤججها أصحاب المطامع السياسية -عبر قرون طويلة- تبدأ متذرعة باسم الدين السامي ونصرته، وتحمل معها شعارات محاربة الفساد وتحقيق العدل والإنصاف، وتنتهي بدماء لوّثت كل شبر من جزيرتنا العربية، ووقودها الأكبر وضحاياها “المساكين” المطحونون الذين صدّقوا هذه المزاعم.

وفي الوقت نفسه نجد بناة المجتمع الحقيقيين هم أولئك الذين ضحوا براحتهم وصحتهم من أجل إصلاح الفساد أياً كان، دون أن يوقدوا نار الفتن من أجل أهدافهم الخاصة، وخير مثال على ذلك الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- الذي ضرب بمنهجه المتسامي أروع أمثلة الوعي والصدق.

فرصة التحريض!

في هذا العصر أصبحت الفرص أمام المحرض أسهل، فصوته يُسمَع أكثر، والمتلقي أكثر اندفاعاً وأقل خبرة بويلات ما تعقبه الفتن، خاصة في مثل بلادنا التي لم يعان شبابها -بفضل الله- من آلام الحروب، ولم يجربوا كما جرب آباؤهم غضب هذه الصحراء المصفرة التي إن اشتعلت فتنها أكلت كل شيء، فخياراتها الجوع والتيه؛ لأن مدنها ليست على ضفاف أنهار تسقي ظمآنها، وتنتج المحاصيل لساغبيها، بل تشح بالماء على شاربه عندما تتأزم، فلو حدث أن شلت حركة طريقٍ فضلا عن غيره، فكم سيفقد الناس من أساسيات المعيشة، وعلى شبابنا أن يعوا ذلك فلا ينجرفوا وراء هذه الأبواق التي في أرصدتها ما تتوقى به العثرات فهم يحسبون كل شيء حسابا جيداً، ولن تكلفهم الفتن أولاً وأخيراً ما تكلفه ضحاياهم.

مواقع التواصل الاجتماعي كشفت خبايا النفوس وعرّت الأهداف، لكن هل كثير من الشباب المتلقين يعون خطورة طرح هؤلاء المؤججين أم لا؟

عدد من شخصيات هذه الفئة ممن كانوا يتزينون بالوقار والسمت وهدوء الحديث اختلف حالهم عندما وجدوا أن هذه المواقع قادرة على إيصال رسالتهم، ف”انفتحوا” في الفيس بوك، و”راهقوا” في تويتر بعد أن وجدوا في هذه المراهقة موطناً لتمرير رؤاهم، أقصد بالمراهقة تلك العبارات الضوضائية التي يصدحون بها أحيانا؛ إذ لم يعودوا يأبهوا بالوقار أو السمت، حيث أصبحت الغاية تبرر الوسيلة عندهم؛ مما يؤكد أن أهدافهم الأولى سياسية شخصية بحتة، وقد تتفاجأ بتغريدة أحدهم ولا تصدق أن ذلك الوقور يطلقها فتعود مراراً وأنت مبهوت من هذه الحقيقة، لكن علينا أن نعي أنهم لا يهرولون عبثاً، حتى التنازل عن الوقار وما نظنه هذراً هو ممنهج ومدروس، ودون شك أن عقلهم المخطط في هذا الجانب بالغ الخطورة، ويمكن أن نتأكد من ذلك إذا عرفنا أن تركيزهم على فئة الشباب والمراهقين، حيث فهموا نفسية الشباب فنزلوا إليهم، وجاروا لغتهم، ووعوا رغباتهم، فدندنوا حول ذلك، وقد حققوا بعض أهدافهم، وفي الجانب الآخر زرعوا الرعب في خوف من يتصدى لهم من خلال حملات شعواء في مواقع التواصل، ومحاولة التأليب عليه، وتسفيه من يعمل لمصلحة الوطن ويحذر من الفتن، واتهامه بأنه صاحب مصلحة خاصة، حتى تحاشاهم كثير ممن يقول رأيه فيهم، فكثير ممن تستعين بآرائهم في التحقيقات الصحفية من أكاديميين وغيرهم يفرون من ذلك خشية ردة فعلهم، وفي جهة أخرى يحتفون بكل من يثير المشكلات أو يخالف؛ ويعدونه بطلاً، ثم تجد مخططهم حاضراً عند حدوث أي مشكلة في منطقة ما، فيعملون على تأجيجها وتوسيع رقعة إثارتها، وتعميم مسألة الفساد فيما يخص الرجال والمؤسسات، حتى إنك تسمع الشباب وهم لا يرون إدارياً نزيهاً، ولا إدارة صالحة، وكل ذلك بسبب الإحباط الذي غرسه هؤلاء المبرمجون الممنهجون، وما عليك إلاّ أن تقرأ التنظير الذي ضمه كتاب “إدارة التوحش” فلا يغيب عنك لحظتها أن ما يحدث تطبيق عملي لذلك التنظير.

سماتهم على النت:

ومن سمات قادة هذه الفئة كسب الجماهير للانسياق مع تفاعلية الاتجاه الواحد، ولديهم قدرة على تتبع الأخطاء، وتزييف الحقائق إلى أن يصبح أتباعهم لا يتحركون إلاّ وفق رؤاهم التي غرست بقوة رؤية:” ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد”.

وهم جادون في كل مخططاتهم، ويركزون على تثبيط كل ما يتعلق بتنمية المواطنة ويخص الوطن ومصطلحاته التي تتعلق به، مثل: “الوطنية” و”اليوم الوطني”، ثم الاستعانة على ذلك بالأدلة الشرعية، والأدلة هنا تنطلق من رؤيتين: ضرْب دليل على موقف غير مكتمل، وبتر كثير من ملامح مشهده، إذ يتناولونه من الزاوية التي يريدونها، ويغيبون الزاوية الأخرى، والثاني تأويل الدليل حسب رؤيتهم، والمشكلة أن الدليل الواحد تجد تأويله مختلفاً من موقف إلى آخر، وليّ أعناق الأدلة الشرعية وتطويعها للمواقف قضية مشكلة في طرحهم، فالأدلة تخضع لرؤى مؤوليها أكثر من خضوعهم لها.

وهذه الفئة تغير تأويل أدلتها وفق مصالحها السياسية، فلا مواقف ثابتة عندهم، فالفرق التي بالأمس في نظرهم مخالفة للمنهج، يحشدون الناس ضدها؛ أصبحت اليوم صديقة؛ لأنها تعضدهم في التوجه، ودليل الأمس غُيِّب.

والمثقف اللبيرالي الذي كان خصماً تحول عن طريق المنهج الواعي المدروس إلى صديق ودود أو خصم مسالم، وكأنما وجدوا دليلاً تجاهه غير دليل الأمس.

أما انتقاؤهم لأتباعهم فهم يركزون على من يثقون بسرعة استجابته؛ فيستهدفون الشباب والمراهقين والمندفعين، ويناغمونهم، ويعزفون على وتر الحماس الذي عندهم، ويصورون لهم الواقع بصورة تشاؤمية ويضخمون الأخطاء، ويتجنبون الحديث عن مخاطر الثورات وما يعقب الفتن، ويغيّبون من الأدلة الشرعية والعقلية والاجتماعية كل ما يخالف توجهاتهم، أو يجعل أتباعهم أكثر هدوءاً، كما يحاولون إقناع هذا التابع بصواب ما يرون إلى أن يصبح: لا يفكر، ناقل، مدافع لارتفاع الحس الشخصي لا الواقعي، من ذوي الاصطفاف السريع المؤدلج.

السؤال: هذا الفكر بمنهجه المدروس يقود شبابنا إلى مشروع خطير؟ فإلى أين؟، وما النتيجة؟، وماذا قدمت الجامعات والمراكز المختصة لمواجهة هذا المنهج الذين تحول من التنظير إلى التطبيق؟، ولماذا يعملون هم مجاهرة بينما من يواجهونهم يعملون بصمت واستحياء؟، لماذا تبدلت الأدوار؟، وهل بعض من يعملون في المؤسسات مجندون لهم، فيرسمون مواجهتهم وفق ما يريدون هم، خاصة وأن هناك كتباً لمنظريهم خارج الوطن ترسم خطةً مقتضاها أن فئة تندس وسط المؤسسات فتكون عوناً لهم وتخطط لهم بسرية، وأخرى تواجه بوضوح وكشف؟.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com