تزايد ظاهرة السعوديات الكاشفات


تزايد ظاهرة السعوديات الكاشفات


[COLOR=darkblue]بندر السليمان :

” انتي يا مره غطّي وجهك وتستري زين”. هذه أكثر عبارة تسمعها المرأة السعودية من رجال الهيئة في السعودية وذلك بسبب الأنواع الجديدة من غطاء الوجه الذي تستخدمه شريحة كبيرة من النساء السعوديات خصوصا في المدن الكبرى. وتنجح أوامر الهيئة في ردع النساء بتغطية وجوههن، ولكن هذا النجاح يستمر لعدة ثوان، فبمجرد أن تمشي المرأة بضعة خطوات بعيداً عن رجل الهيئة حتى تعود لكشف وجهها.

ولكن هل بدأت المرأة السعودية وبشكل تدريجي وتكتيكي- ربما غير مقصود- بالتخلص من غطاء وجهها شيئاً فشيئاً حتى تقوم بخلعه نهائيا؟ هذا يخالف الواقع الذي ترتدي فيه غالبية النساء غطاء الوجه بمختلف أنواعه. ولكن المؤشرات خلال السنوات الماضية تؤكد أن النساء السعوديات بدأن بالفعل في التخلص من غطاء الوجه، والتحول إلى الحجاب فقط. وفي الواقع إن هناك أيضا كثيرات من النساء تخلصن الآن من غطاء الوجه بشكل كامل.

والأمر الأكثر وضوحًا، والغائب عن التحليلات الصحافية السعودية التي لا يسمح لها بالتطرق إلى هذا الموضوع الحساس هو أن عدد النساء الكاشفات يتزايد يوماً بعد آخر، في إرهاصات واضحة قد ترسم وضعًا مختلفا في المستقبل القريب. وبالطبع فإن هذا التغيير سيغضب الكثير من الرجال السعوديين الذين يريدون أن تغطي المرأة وجهها باستمرار، ولكن طوال السنوات الماضية، كانت المرأة دائما تنتصر في اختيار حجابها، والرجل يرضخ في النهاية بعد معارضة طويلة.

[COLOR=red]من البرقع إلى الكشف[/COLOR]

الدلائل التاريخية المؤشرات الحالية تقول إن النساء السعوديات في طريقهن إلى التخلص من غطاء الوجه. وبمتابعة سريعة لحال غطاء الوجه منذ بدايته ربما يتكشف لنا إلى أين سيتجه في النهاية.

بدأ غطاء الوجه على شكل طبقة سوداء تغطي الوجه بالكامل بحيث لا يظهر منه شيء، ثم تطور مع دخول البرقع الذي تظهر من خلاله العينان فحسب. ومن ثم بدأ يتمحور التغير التدريجي في غطاء وجه المرأة حول منطقة العينين، مع تحديثات واضحة في شكل الغطاء نفسه، والذي يصبح أكثر أناقة موسمًا بعد آخر. فقد ظهر بعد ذلك ما يسمى “النقاب” والذي يسمح للعينين بالظهور بشكل كامل، وبدون أن يفصل بينهما ذلك الخيط القديم الذي كان يميز البرقع، ثم ظهر بعد ذلك اللثام في تطور من نوع جديد.

ترافقت مع هذه الأشكال الجديدة لغطاء وجه المرأة تغيرات كبيرة في أنماطه في محاولة من المرأة للتحايل على شكل الغطاء القديم، فالبرقع والنقاب مثلاً تم توسيعهما بشكل يصل في بعض الأحيان إلى أن تشمل فتحة أيًّ منهما جزءًا كبيرًا من الخدين والمنطقة المحيطة بالحاجبين، كما حدث تطور آخر للبراقع مع وجود نوعية منها مقمسة إلى جزءين؛ طبقة سميكة من الجبهة حتى الأنف، وطبقة شفافة تظهر من خلاها الشفتان والذقن بشكل واضح، وهو الشكل الذي سرعان ما تغير؛ باتجاه النساء نحو تفضيل غطاء الوجه الشفاف الذي يمكن من خلاله رؤية وجهها بالكامل. وفي الأعوام الأخيرة وصلنا إلى الطور الأخير، وهو التخلص من غطاء الوجه بالكامل والاكتفاء بالحجاب الذي تستخدمه النساء المسلمات في كل مكان بالعالم.

إن التغير الذي يلحق بغطاء الوجه عادة ما يبدأ بشكل محدود وضيق، ويتعرض في الغالب إلى الانتقاد، لكنه سرعان ما يتحول إلى موضة تجتاح عالم النساء بالكامل.

تقول الفتاة سهام العبيد:” انتشار كشف الوجه بين الفتيات أصبح رائجاً جدا وهو في تزايد مستمر. وأعتقد أنه سيكتب نهاية غطاء الوجه، لأن شيئًا لا يمكن تعديله مثلما كان يحدث في البرقع في السابق. الآن سيبدأ التعديل في شكل الوجه”. وحول المعارضة الرجالية التي سترفض كشف الوجه نهائياً، تقول العبيد:” من المؤكد أن الرجال سيعارضون كالعادة، ولكنهم سيتعودون في النهاية كما يحدث دائمًا”.

يوجد عدد كبير من النساء لازلن يحافظن على البرقع والنقاب، ولكن إذا كن اتبعن في وقت سابق كل الموضات الجديدة، فلماذا لا يتبعن هذه المرة تلك الموضة التي تعلن وبشكل صريح “موت” غطاء الوجه؟

[COLOR=red]البرقع الإسلامي[/COLOR]

كردة فعل متوقعة على الموضات الجديدة من حجاب الوجه الذي بدأت النساء السعوديات بارتدائه؛ ظهرت أغطية الوجه الإسلامية التي تحاول أن تمثل نمطاً جديداً ويختلف عن الموضات الجديدة التي لا تعجب الإسلاميين، ولا رجال الهيئة. ومنها غطاء وجه غريب الشكل يظهر العينين بشكل ضيق للغاية وكأنهما تحملقان من داخل ثقب. وانتشرت مثل هذه الأغطية بين مجموعة من النساء ولكنها لم تلبث أن اختفت بشكل شبه كامل. ومن جهة أخرى، شن الدعاة حملة كبيرة على الأشكال الجديدة من حجاب الوجه في محاولة لردعه، مستخدمين في ذلك آيات قرآنية وأحاديث نبوية بشكل ملتوٍ من أجل إخافة النساء، ولكن هذه الحملات فشلت بشكل ذريع، فيما استمرت الأشكال الجديدة من غطاء الوجه تتدفق إلى السوق، ويجني من ورائها التجار أرباحًا طائلة.

ومن المتوقع مع تزايد كشف المرأة السعودية لوجهها، أن تزيد حملة الإسلاميين على هذه الظاهرة التي تشهد تصاعدًا لها، في محاولة منهم لصدها خلال المرحلة القادمة.

يقول الشاب محمد الفواز الذي يرفض مثل هذه الظاهرة بشدة:” لن أسمح لأخواتي بكشف وجوههن مهما صار الأمر، هذا أمر يتعارض مع الدين ومع عاداتنا الاجتماعية. وأعتقد أن كل أب أو أخ يغار على بناته أو أخواته سيقف موقفي. وهذا ما يمنع انتشار كشف الوجه، والالتزام بالحجاب الإسلامي”. ومن الواضح أن كثيرا من الرجال، حتى من غير المتدينين، يرفضون أن تكشف نساؤهم وجوههن. ولكن هذا الذي يحدث داخل المجتمع السعودي يعبر عن رغبات النساء أيضاً، بتشجيع من الرجال المتفتحين والليبراليين. إذ أن هناك دوافع جديدة ربما أقوى من الكل تدفع النساء إلى كشف وجوههن.

[COLOR=red]ما هذه الدوافع؟[/COLOR]

هناك أسباب يبدو أنها تحالفت مع بعضها البعض؛ لتدفع المرأة السعودية في هذا الاتجاه. ربما أقواها هو تقلص قبضة الصحوة الدينية على مجتمع النساء، وهي التي كانت ترهبهن تماما خلال فترة الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات تقريبا. وبحسب كثير من المراقبين، فإن موجة الصحوة الدينية في السعودية بدأت بالانحسار، ويمكن أن يشاهدها المرء في كل مكان، لكنها ليست بالقوة السابقة، وذلك لأسباب عديدة ربما يطول شرحها هنا.

السبب الآخر هو موجة الانفتاح الفضائي الهائل الذي قرب المسافات بشكل كبير، وجعل السعوديات يطلعن على آخر الصرعات في العالم، إضافة إلى ما يرافق كل ذلك من دخول قيم جديدة على المجتمع الذي ظل لفترة طويلة يعيش في عزلة. السفر أيضا كان واحدا من الأسباب الرئيسية في خلق حالة من التململ لدى النساء من أغطية وجوهن، وأصبح من التصرفات المعروفة عن المرأة السعودية أن تقوم بخلع غطاء وجهها بمجرد ركوبها الطائرة. كما أن تراخي قبضة الرجل على المرأة في السعودية دفعها إلى اتخاذ خيارات بنفسها بدون الخوف من سطوة الأخ أو الأب. أيضا أصبحت العادات الاجتماعية السعودية أكثر مرونة من السابق بسبب التغيرات الجديدة التي دخلت حياة السعوديين. كل هذه الخلطة من الأسباب دفعت المرأة إلى هذه النقطة التاريخية في حياتها.

تقول أشواق بنت علي “35 عاما”: “احتكاك المرأة السعودية ببقية ثقافات المجتمعات العربية والأجنبية والاندماج مع بقية الشعوب بتقاليدهم وثقافاتهم عبر سفرها للخارج باستمرار وبشكل أسبوعي وشهري للعمل التجاري وحضور المؤتمرات والندوات ومشاركتها بفعالية؛ أدى إلى كسر حاجز الرهبة، والوعي بحقيقة مفهوم الحجاب.. وفي اعتقادي الشخصي أن تغطية الوجه لا يعتبر مقياساً لأخلاق المرأة ووقارها رغم أن كثيرين يؤمنون بالشكليات ويهملون جوهر الأمور، وما خفي كان أعظم. وقضية كشف الوجه اختلفت فيها المذاهب الأربعة، وللأسف لايزال المشايخ مشغولين بتلك الأمور السطحية، فيما يتركون قضايا يعاني منها المجتمع وتأصلت به”.

[COLOR=red]المركز يؤثر على الأطراف[/COLOR]

هذه النظرية الخاصة بالتأثر والتأثير باتت شبه قطعية في علم الاجتماع. ويمكن أن نلمسها تحديداً في غطاء وجه المرأة السعودية. فهل ستتخلى النساء في أطراف السعودية عن أغطية وجوههن قريبا؟ هذا السؤال أشبه بدعابة، ولكن التجربة تؤكد لنا أنه سؤال أكثر من جدي.

النسبة الكاسحة من النساء السعوديات في الأطراف مازلن يلبسن غطاء الوجه القديم، ولكن التجربة أثبتت أن أغلب الموضات الجديدة تنطلق من الرياض أو جدة أو الدمام ( المراكز الحضرية الكبيرة)، ومن ثم تنتقل بعد ذلك وبسرعة كبيرة إلى الأطراف. وهذا الأمر لا يخص النساء وحدهن، ولكن في كل شيء تقريبا، حتى زي الرجال الجديد يبدأ من الرياض وينتشر بعد ذلك، رغم الممانعة المبدأية، إلى أبها أو القصيم أو المدينة. لذا فإن قراءة منطقية للأحداث تفيد بأن النساء في الأطراف سيلحقن نظيراتهن في الرياض أو جدة، باتباع الموضة الجديدة الأخيرة، مثلما فعلن ذلك في كل الموضات السابقة.

[COLOR=red]هل هذا مستحيل؟[/COLOR]

للوهلة الأولى يبدو أنه كذلك، ولكن منظر النساء السعوديات اللاتي يكشفن عن وجوههن الآن بات أمراً طبيعيا ومعتاداً ككل شيء في الحياة. عندما بدأ الستالايت (الدش) يدخل السعودية، كان الرجل الذي يضعه فوق منزله يبدو بنظر غالبية الناس أشبه بخنزير، ولكن الآن لا يوجد منزل واحد في السعودية إلا وعليه أكثر من دش، بل إن الذي ليس لديه ستالايت يظهر كرجل متخلف وغير عصري. حالياً المواطن السعودي أو الزائر لإحدى مدن المملكة وبالتحديد العاصمة “الرياض” لا يتعجب من مشاهدة المرأة السعودية تسير واثقة دون تغطية وجهها كاملاً، بعد أن كان هذا محرماً عليها، وبسببه كانت توصف في أوقات سابقة بأقبح الأوصاف. وقريبا ربما تصبح غالبية النساء السعوديات على هذا الشكل الذي يعلن نهاية حقبة طويلة من غطاء الوجه. [/COLOR]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com