كلكم مسئول عن رعيته


كلكم مسئول عن رعيته



بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الرعية (كلكم مسئول عن رعيته)0

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى : وبعد.
(بغلة عمر)، هل تعرفون بغلة عمر؟ إنها تلك التي قال عنها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لو أن بغلة عثرت في العراق لسألني الله عنها لِمَ لَمْ أُسَوّ لها الطريق”، وتساءلت فيما بيني وبين نفسي: ماذا كان عمر سيفعل لو كان بيننا اليوم؟ جميعًا نعرف الجواب الصحيح، لأننا جميعًا نعرف عمر، ونعرف ماذا يمكن أن يتصرف عمر0
عمر الفاروق المبشر بالجنة، الذي كان يقضي كثيرًا من الليالي الباردة يدور بين أزقة المدينة يتفقد رعيته وهم نيام آمنون في ظل عدله.. عمر الذي خرج ذات ليلة مظلمة شديدة البرد مع مولاه أسلم يتفقد أحوال الناس، فلما كانا بمكان قرب المدينة، رأى نارًا، فقال لمولاه: يا أسلم، ها هنا ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم، فلما وصلا إلى حيث النار، إذا بجوارها امرأة وصبيان، وإناء موضوع على النار، والصبيان يتصايحون من شدة الجوع، فاقترب منهم، وسألهم: ما بالكم؟ فقالت المرأة: قصر بنا الليل والبرد، فقال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون، أي يصطرخون؟! قالت: من الجوع، فقال: وأي شيء على النار؟ قالت: ما أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر، فبكى، ورجع إلى بيته، فأحضر دقيقًا وسمنًا، فحمله على ظهره، وانطلق حتى أتى المرأة، فألقى الحمل عن ظهره، وأخرج من الدقيق، فوضعه في القدر، وألقى عليه السمن، وجعل ينفخ تحت القدر بنفسه وهو أمير المؤمنين، والدخان يتخلل لحيته، حتى نضج الطعام، فأنزله من على النار، ثم جعله أمام الصبيان، فأكلوا حتى شبعوا، ولم يزل عندهم حتى ناموا، ثم انصرف باكيًا، حتى قبل أن يعرفوا هويته، فأين عمر ؟!!
عمر الذي أرسل أحد الولاة إليه ذات يوم بهدية من الحلوى المميزة، التي اشتهرت بها مدينته، فلما قدم رسول الوالي بالحلوى، دخل المدينة بعد صلاة العشاء، فكره أن يذهب مباشرة إلى بيت عمر خشية إزعاجه، ظنًا منه أنه ينام ليله ويلهو نهاره، فذهب إلى المسجد ليبيت ليلته فيه، على أمل أن يلتقي عمر في صلاة الفجر، فلما وصل المسجد وجده خاليًا إلا من رجل قائم يصلي فيه، فلما اقترب منه، إذا هو عمر نفسه، فلما فرغ من صلاته سأله الرجل: يا أمير المؤمنين، ألا تنام؟! فرد عليه قائلاً: “يا هذا، أنا إن نمت نهاري أضعت رعيتي، وإن نمت ليلي أضعت نفسي عند ربي”، فلما قدم الرجل إليه الهدية التي يحملها، وذاقها أعجبه طعمها، فقال للرجل: أكل المسلمين يشبع من هذا؟ فقال الرجل: لا، إنما هذا للخاصة من الناس، فلفظها من فيه، وقال: لا حاجة لي بها، كيف ألقى ربي إذا أكلت شيئًا لم يشبع منه أطفال المسلمين، ثم أمر الرجل أن يعود بها إلى الوالي، وأرسل إليه يقول: “أما بعد، فليس هذا من كدِّ أبيك ولا من كد أمك، فأشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك، ولا أسمع أنك ذقتها حتى يشبع منها أهل مدينتك، والسلام”، فأين عمر اليوم؟!.

مسئوليات الجميع عن من ولاه الله عليهم.

حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسئولة عنه والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله سائل كل راع عما استرعاه)0 قال سمعت محمدا يقول هذا غير محفوظ وإنما الصحيح عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا 0

وقوله : ( ألا ) للتنبيه ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه . والرعية كل من شمله حفظ الراعي ونظره ( فالأمير الذي على الناس راع ) فيمن ولي عليهم ( ومسئول عن رعيته ) هل راعى حقوقهم أو لا ( والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ) هل وفاهم حقهم من نحو نفقة وكسوة وحسن عشرة ( والمرأة راعية في بيت بعلها ) أي زوجها . وفي رواية للبخاري : المرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده أي بحسن تدبير المعيشة والنصح له والشفقة والأمانة وحفظ نفسها وماله وأطفاله وأضيافه ( هي مسئولة عنه ) أي عن بيت زوجها هل قامت بما عليها أو لا ( والعبد راع على مال سيده ) بحفظه والقيام بما يستحقه عليه من حسن خدمته ونصحه . قال الخطابي : اشتركوا أي الإمام والرجل ومن ذكر في التسمية أي في الوصف بالراعي ومعانيهم مختلفة ، فرعاية الإمام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود والعدل في الحكم ، ورعاية الرجل أهله سياسة لأمرهم وإيصالهم حقوقهم ، ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدمة والنصيحة للزوج في كل ذلك ، ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من خدمته ( ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) 0
قال الطيبي في هذا الحديث : إن الراعي ليس مطلوبا لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك ، فينبغي أن لا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه ، وهو تمثيل ليس في الباب ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه ، فإنه أجمل أولا ثم فصل وأتى بحرف التنبيه مكررا . قال : والفاء في قوله : ألا فكلكم جواب شرط محذوف ، وختم بما يشبه الفذلكة إشارة إلى استيفاء التفصيل . وقال غيره : دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد ، فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلا ونطقا واعتقادا ، فجوارحه وقواه وحواسه رعيته ، ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعيا أن لا يكون مرعيا باعتبار آخر .
أما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني في الأوسط ولفظه : ما من راع إلا يسأل يوم القيامة أقام أمر الله أم أضاعه . وأما حديث أنس فأخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط مثل حديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور وزاد في آخره فأعدوا للمسألة جوابا قالوا : وما جوابها ؟ قال أعمال البر . ذكره الحافظ في الفتح وقال في سنده حسن . ولابن عدي بسند صحيح عن أنس : إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أو ضيعه . وأما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي.

[COLOR=darkred]الفقير إلى عفو ربه ضحوي بن عشوي الصقري العنزي
مدير مكتب الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني بعرعر[/COLOR]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com