التعددية الثقافية نعمة أم نقمة ؟


التعددية الثقافية نعمة أم نقمة ؟



التعددية الثقافية نعمة أم نقمة ؟
اعتزاز الأمة بهويتها وثقافتها هو أساس بقائها ، هذا أمر متفق عليه منذ القديم بين علماء الاجتماع والفلاسفة ، بل بين عقلاء الناس الذين لهم بصيرة بحركة التاريخ والتحولات الاجتماعية التي تلدها رحم التاريخ .
لذلك نجد أن عقلاء الساسة الذين لديهم انتماء لأمتهم يحرصون كل الحرص على ترسيخ ثقافة أمتهم وهويتها في نفوس أبنائها منذ نشأتهم ونعومة أظفارهم ، ومن ثم يحاولون بسط الهيمنة الثقافية الخاصة بهم على ثقافات الأمم الأخرى ، وما واقع العولمة اليوم عنا ببعيد !
وقد كتب عن هذا الأمر وقرره عدد من المفكرين والفلاسفة ، منهم صموئيل هنتنجتون في كتابه (( صدام الحضارات )) ؛ حيث تحدث في الفصل الأخير منه ( ص : 503 ، ط : الدار الجماهيرية ، ليبيا ) عن الأخطار التي تواجه الأمة الأمريكية ، وذكر أن من أهمها وأخطرها ( التعدد الثقافي ) ، الذي ظهر واشتدت الدعوات إليه عبر مفكرين مؤثرين من جماعات صغيرة داخل المجتمع الأمريكي ، وأن إدارة كلينتون شجعت التعدد والتنوع الذي يتناقض مع الماضي ، وقد حذر روزفلت من التعدد المبالغ فيه ؛ لما يمكن أن يكون له من تأثير على المجتمع الأمريكي .
قال هنتنجتون ـ منكراً هذا التعدد الثقافي ـ: ( قيادات الولايات المتحدة لم يسمحوا بذلك فقط بل عززوا الاختلاف بدلاً من الوحدة للشعب الذي يحكمونه ) .
ثم قال : ( الأمريكان الذين يدعون إلى التعدد الثقافي رفضوا موروث بلادهم الثقافي ، وبدلاً من محاولة تحديد هوية الولايات المتحدة تمنوا خلق بلاد من حضارات عديدة ، بلاد لا تنتمي إلى أية حضارة وتفتقد إلى الثقافة الأساسية ) .
ثم قال أيضاً : ( وقد أوضح التاريخ بأنه ليس هناك دولة تستطيع الاستمرار كمجتمع متماسك ومتحد وهي ذات ثقافات متعددة ، لن تكون الولايات المتحدة ، بل ستكون الأمم المتحدة !! ) .
وعلى هذا ، فبقاء الأمة ـ أي أمة ـ باقٍ ببقاء هويتها في نفوس أبنائها ، وأعتقد أن فشل الماركسية بسقوط الاتحاد السوفييتي خير شاهد على أن تعدد الهوية والثقافات في البلد الواحد نذير شؤم على الأمة وليس باب خير يُفتح لها . ولذلك فقد تنبأ عدد من المفكرين بسقوط الولايات المتحدة بسبب التعددية الثقافية فيها وبالتالي ضياع الهوية الأمريكية ، يقول الفيلسوف الياباني تاسكيشي أوموهارا : ( هو ـ أي التعدد الثقافي ـ النذير الوحيد فقط لانهيار الليبرالية الغربية ، الليبرالية التي ستكون التالية للسقوط ) يقصد التالية لسقوط الاتحاد السوفييتي .
أقول : ولذلك تجد حرص الغرب اليوم على نشر العولمة وإدخال الأمم الأخرى تحت عباءتها ، فما ذلك إلا ليفرضوا ثقافتهم الغربية على الأمم الأخرى ، حينها تضيع هوية وثقافة هذه الأمم ، مما يسهل السيطرة عليها ، وحينها سيصبح أبناؤها بلا هوية وتاريخ وحضارة ينتمون إليها ويدافعون عنها .
ومن هنا : فإن المنبهرين بالحضارة الغربية الداعين للتوجه شطرها وقعوا في خيانة عظمى تجاه أمتهم ، شعروا أم لم يشعروا ، لأنهم يريدون أن تنزع الأمة جلباب هويتها وثقافتها ، مع أن ذلك سبب هو سبب ضياعها وأفول عزها وكيانها .
إن المظاهر التي نراها اليوم على بعض شباب وشابات أمتنا هي مؤشر خطير على ضياع الهوية لدى هؤلاء ، ولا شك أنها ثمرة من ثمرات العولمة التي يراد لها أن تبسط أجنحتها على جميع الأمم ؛ من أجل فرض الثقافة والهيمنة الغربية


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com