كاتب كويتي زار عرعر على خطى المتنبي في هروبه من مصر إلى الكوفة


كاتب كويتي زار عرعر على خطى المتنبي في هروبه من مصر إلى الكوفة



إخبارية عرعر – متابعة – القبس- فرحان الفرحان:
عندما اقتفيت رحلة المتنبي اثناء هروبه من مصر الى الكوفة، وفي تفسير هذه الرحلة كان المتنبي سنة 350 – 351 هجرية عبر سيناء وتوقف عند الحدود السعودية – الأردنية الحالية، طبعا لم يتوقف ليقدم جوازه (الباسبورت) في مركز الحدود الأردني العمري ثم المركز السعودي الحديث ويخضع لإجراءات التفتيش والجمارك ويقف بالطابور في موقف الجوازات للتدقيق بجوازه ممنوع من الدخول أو لا، أو مطلوب للأمن او غير ذلك، لكن في الحقيقة هو مطلوب في غير هذه المنطقة في منطقة سيناء الأقرب الى مصر، حيث كان يتحكم كافور في غالبية المخارج والمداخل حتى دمشق، لكن ذكاء المتنبي الذي يسلم الى ابو بكر الفرغاني القصيدة الحسية في كافور ويعرف أن الفرغاني لن يسلمها الا بعد أن يفرغ كافور من زواره ويكون وحيدا فينفرد به، وتكون له الحظوة في الجلوس معه ويقدم له الهدية الثمينة قصيدة المتنبي لكافور وتنقلب بعد أن فتحها كافور ووجد الشتيمة ويسقط في يد الفرغاني المسكين، كان المتنبي تجنب المخافر ومراكز كافور حتى وصل الى الحدود الأردنية – السعودية اليوم، وهنا رسم قصيدته المشهورة (الأكل ما شبه الخبز لي) فكنت في الصيف الماضي قلّدت المتنبي في عبور هذا الطريق، وكذلك سبقني قبل قرن من الزمان العالم التشيكي الألماني موسيل، حيث ركب الجمال من مصر عبر هذه الصحراء ومر بالطريق نفسها التي سلكها المتنبي، وقد سجل ملاحظات عن هذه القرى والمدن في كتابه المشهور «الصحراء»:

خرجت الساعة الثالثة فجرا في نهاية شهر اغسطس وكان معي ابني عبدالله وحفيدي عبدالله قطعنا الطريق من الزبداني حتى الحدود السورية – الأردنية بساعة ونصف الساعة وبعد انجاز اجراءات الجمارك والجوازات في سوريا توجهنا الى المركز الأردني، صلينا الفجر في مسجدهم وانهينا اجراءات الجوازات والجمارك وكددنا السير حتى الحدود الأردنية – السعورية المركز العمري وهناك اتممنا اجراءات الجمارك مثل سابقتها للخروج من الأردن والدخول للأراضي السعودية. بعد ان وصلنا الى المركز السعودي الحديث، قمنا بإجراءات الدخول والجمارك وتوجهنا الى أقرب محطة بنزين (وقود) وتفطرنا فيها بما تيسر من الشاي والسندويشات ومن ثم ابتدأنا بتصوير رحلة المتنبي التي ذكرها في قصيدة:
«روامي الكفاف وكبد الوهاد
وجار البويرة وادي الغضى»
أربعة اسماء لأماكن: الكفاف وكبد الوهاد والبويرة ووادي الغضى. بعد ان وصلت الى الحديثة لأتلمس هذه الاسماء الأماكن فوجدت علامة مكتوب عليها (كاف)، فقلت: اذن هذه هي الكفوف في عهد المتنبي، فالتقطت صورة لي مع هذه العلامة. كم سنة حتى تحورت الكفاف الى كاف.
من المؤكد الف سنة، وسنوات لابد من التطوير، وانظر الى الكلمة الثانية (جار البويرة) عندما وقفت على علامة «باير» فقلت: هذه هي بويرة المتنبي، وأخذت السير بالسيارة حتى وصلنا إلى مدينة القريات المنطقة الادارية للمنطقة الحدودية، فقلت لا بد ان تكون هذه هي وادي القرى بحيث انها جاءت بعد الكفاف والبويرة (كاف وباير)، وهنا اجد «وأمست تخبرنا بالنقاب / وادي المياه ووادي القرى» فإذن هذه هي وادي القرى التي صغرت وسميت القريات، أو اقريات الملح. وهنا خلال الألف سنة (البويرة المصغرة تصبح باير) والمكبّرة الأصل (القرى) تصبح قرية وقريات.
ونواصل السير الى «بسيطة» أصبحت اليوم «بسيطاء» كما هو موجود على اللوحة الموضوع وفق تعليمات المسؤولين، وعندما واصلنا السير وجدنا لوحة «الأضارع».
ومسى الجميعى دئدائدها (وغادى الأضارع ثم الدنا).
ويقول المتنبي التوجه الى «عقدة / الجوف» حتى شفت / بماء الجراوي بعد الصدى»، لقد توجه الى الجوف بعد ان ارتوى من ماء الجراوي، ولم يخدمني الحظ ان التقط لها صورا، لأنها بعيدة عن الطريق الذي اسلكه في التوجه الى دومة الجندل.
ويقول:«ولاح لها (صور) و(الصباح) وغادى الأضارع ثم الدنا» توقفت عند «صور»، وعندما كنت ادقق في الخرائط واللوحات التي وضعت في الطريق العام، فأجد طلعة عمار وعرعر والدمام والرياض، وعلى اليمين من الطريق: زلوم الشرقي – وصوير – وهديب.
وتوقفت عند «صوير»، فأجد ان المتنبي لم يأخذ الطريق المتجه الى عرعر، بل توجه الى الكوفة، تاركا طريق عرعر على يساره، ولهذا ذكر: ولاح لها «صور» و «الصباح»، فأجد أن صور قد صغرت وأصبحت صوير أما الصباح، فإنه انقلبت أو تصاغرت لتصبح صبيحة، والذي ينظر في خريطة المملكة الحديثة، ويتعرف على عين الجراوي، وصبيحة يُعرف أن المتنبي حدد طريقه بالمسطرة.
كيف كانت الذاكرة عند هذا الشاعر، وهو يتذكر هذه الأماكن؟ يجب التذكر وإعادة النظر في أن المتنبي في طفولته كان يرافق والده إلى هذه المناطق عندما كانت دومة الجندل وما حولها بلاد العز والسمعة والسموئل، فلا بد إذن أن المتنبي مع والده قد تعرف على هذه الأماكن وحفظها عن ظهر قلب منذ طفولته، وهي التي جعلته يسرع بعد مغادرة مصر إلى سيناء والتوقف في هذه المنطقة أكثر من شهر ونصف الشهر، كأنه بين أهله وأقاربه ورفاق الطفولة في هذه المنطقة، التي يحدها من الحدود الحديثة إلى طريق المتنبي القريات دومة الجندل عرعر، أجد على يميني ويساري المزارع، وعلى خط الشرف تجد الشاحنات حاملة الخيرات إلى الجنوب «البرسيم، الجت، الغصة»، إلى المزارع المنتجة للألبان لأبقارها.
توقفت في دومة الجندل وأخذت أتمتع بالآثار الخالية منها، وعز السموئل، والدول الغابرة، ثم وجدنا مطعماً جيداً هنا، وأخذنا طعاماً ثم واصلنا السير وبعد مغادرة دومة الجندل التقطنا صوراً كما قال المتنبي:
«إلى عقدة الجوف حتى شفت
بماء الجراوى بعض الصدى»
فقلت: أين توقف المتنبي مع خيله وجماله هل هو في هذا المقهى الذي نحتسي فيه كؤوساً من الشاي؟ هل توقف مثلنا يشرب الشاي أم القهوة؟ أكيد بعد وصوله إلى هذه المنطقة هدأ روعه وذهب عنه الخوف، لأن كافور بعيد عنه ورجاله لن يطولوه.
أخذت أسأل المتنبي أكيد العزايم (جمع عزيمة) والولايم بالنسبة له، لأنه قد تعرف عليهم منذ طفولته، فلا بد أن يحترموه ويدعوه ويدّللونه لمعرفتهم السابقة به. أما أنا في سيارتي، فمثل الألوف الذين يمرون في هذا الطريق، لا أحد يسأل عليك، فقلت لو أنا المتنبي ولو كنت قبل ألف سنة لكان الكل رحب بي وقام بالواجب لكن الله في العون .
المتنبي بعد وصوله الى الجوف أخذ طريق صور، صوير اليوم، وترك الطريق الدولي المؤدي بعد مائة وخمسين كيلومتراً إلى عرعر وتواجه (صوير اليوم»، حيث وجه سيره إلى الكوفة بلدته وبلدة جدته للاستقرار هناك، حيث قال فيها:
«الا لا أرى الأحداث هماً ولا ذماً»
غادرنا الجوف متجهين إلى عرعر حيث خط التابلاين السريع المؤدي إلى الكويت عن طريق حفر الباطن، وبعد مغادرة الجوف بخمسين كيلومتراً، قال التاير الأيسر الأمامي هذا حدي «بنشر»، وحدث به تشقق، ونزلنا بعد أن أوقفنا السيارة إلى الشمال لأنه أسلم وحاولنا فك العجلة، وإذا بشباب من أبناء، «الرولة لهم مزرعة على مقربة من بنشرنا جاءوا لمساعدتنا» وكان معهم (الرافعة، الجيك، العرفيتة)، هذه كلها أسماء لرفع السيارة وفك «التاير»، وساعدونا جزاهم الله خيراً وركبنا «السبير» وطلبوا منا أن نكون ضيوفهم تلك الليلة فقلنا لهم: وقتنا ضيق نراكم في المستقبل. وصلنا إلى عرعر واستبدلنا «التاير»، حيث اشترينا جديداً، ووضعناه «إسبيراً»، وصلينا الظهر والعصر جمعاً وقصراً في هذه المدينة، ثم واصلنا رحلتنا إلى المنطقة التالية في الطريق إلى الكويت، وهناك في محطة السويلم توقفنا وتزودنا بالوقود وصلينا المغرب والعشاء جمعاً وقصراً في مسجدهم وهناك واصلنا السير حتى رفحا وفي هذه المدينة استأجرنا غرفة فيها ثلاثة سراير في فندق جديد، وآوينا إلى فراشنا في العاشرة والنصف، في الفجر صلينا وغادرنا رفحا إلى حفر الباطن ثم أخذنا جانب اليسار الشمالي في اتجاه دولتنا العزيزة الكويت، وقد اخترقنا شوارع حفر الباطن، وأنا أتذكر عندما وصل الأشعري، يسبق خالد بن الوليد، ليدرس له الطرق من أجل تقدم الجيوش، ليسهل انسياب هذه القوات التي تريد كاظمة، حيث معركة ذات السلاسل، كان أبو موسى قد توقف في حفر الباطن وحفر الآبار التي سميت باسمه حفر أبو موسى الآبار لتشرب منها القوات المقبلة، ومن ثم قام بحفر بعض الآبار في منطقة «(الرقعي والسالمي» اليوم، لأن فيها آباراً وعلى مقربة من كاظمة، الجهراء اليوم.
المهم اخترقنا شوارع حفر الباطن، ووجدنا في آخرها ملعب كرة قدم باستاده البارز، في هذه المدينة «حفر الباطن» كنت قد زرتها في آخر الستينات من القرن الماضي، عندما كان الطريق غير معبد، ولا يوجد فيه أي فندق، وكنت في السيارة أنا وزوجتي وأولادي، وبعد أن ملأنا خزانها بالوقود، وصلينا المغرب والعشاء جمع تأخير وشربنا الشاي وأكلنا ما تيسر، فرشنا فرشاً للنوم وفي الفجر بعد أن صلينا غادرنا هذه المدينة إلى خط التابلاين إلى البلاد الشام، الأردن وسوريا ولبنان.
حفر الباطن تبعد عن الحدود الكويتية السعودية قرابة تسعين كيلومتراً، ومن بعدها الرقعي ثم السالمي إلى الكويت مائة وثلاثين كيلومتراً.
بعد أن وصلت إلى حفر الباطن مع ابني عبدالله وحفيدي بسيارتنا العتيدة، واصلنا السير حتى الحدود، وهناك أنهينا إجراءات الجمارك والجوازات في السعودية والكويت بسهولة ويسر، وغادرنا الحدود إلى الكويت، حيث وصلنا إلى بيتنا الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً ونحن نقول: رحمك الله يا متنبي لقد قطعت المسافة من القاهرة إلى الكوفة في ثلاثة أشهر و بضعة أيام، ونحن نقطع من بلاد الشام حتى الكويت في يوم ونصف، إنها لمفارقة ومجازفة.
وأخيراً أقول، لقد مشينا وسرنا على خطى المتنبي الذي خلد هذا الطريق، وهذه الأماكن في التاريخ ويحق لي القول إن هذا الطريق طريق وخط المتنبي. فرحمه الله رحمة واسعة.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com