فاتنات ثائرات 1-3


فاتنات ثائرات 1-3



لا تعجب أن تسمع أن نساءً وراء كثير من الفتن والبلابل والقتل والثورات وقلب القلوب والأفكار، ورُبَّمَا الدول، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهب لِلُبِّ الرجلِ الحازم من إحداكن» وفيهما أيضاً عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء». وقد قال الله تعالى: (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (يوسف : 28 ) هذا مع قوله عن الشيطان: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (النساء : 76)، قال بعض العلماء: كيد الشيطان ضَعُفَ لما قابله كيدُ الله، وعَظُمَ كيدُ المرأة لكونه قابلَ كيدَ الرجلِ.

هذا وقد حفظ التاريخ من هذا النمط شيئاً كثيراً، وفتناً نسائية إجرامية هائلة النبأ، أعاذنا الله منها، كبعض أخبار النساء الثائرات على الولاة، المعتقِدات لمذهب الخوارج، الفاتنات غيرَهُنَّ بفتنةِ الاعتقاد الفاسد، والمذهب المنحرف، والتضحية في سبيله! وهنا نقتصر على ذكر نسوة منهنَّ، وهنَّ غزالة امرأة شبيب الزعيم الثائر الخارجي، وجمرة فاتنة عمران بن حطان، وقطام قاتلة علي بن أبي طالب بمهرها على يد زوجها المجرم عبد الرحمن بن ملجم، وفراشة مجهزة الثوار وجامعة الإمدادات، والبلجاء مهيجة القَعَدَةِ، وكحيلة مرافقة الغزاة الظلمة! ولكلِّ قومٍ وارثٌ!

أما «قطامِ الخارجية» فداهية الدواهي في المكر والفتنة، وهي قطام بنت شجنة. ويقال: قطام بنت الأصبغ ويقال: قطام بنت علقمة. وقطامِ اسم مخفف مبني على الكسر مثل حذامِ .
وهذه المرأة وراء مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد ذكر ابن الأثير في أسد الغابة وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهما: أن سبب قتل عبد الرحمن بن ملجم لعلي أنه خطب امرأةً يقال لها قطام، كانت ترى رأي الخوارج، وكان علي رضي الله عنه قد قتل أباها وإخوتها الخوارج في وقعة النهروان، فلما تعاقد الخوارج على قتل علي وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وخرج منهم ثلاثة نفر لذلك كان عبد الرحمن بن ملجم هو الذي اشترط قتل علي رضي الله عنه فدخل الكوفة عازماً على ذلك واشترى لذلك سيفاً بألف وسقاه السم فيما زعموا حتى لفظه وكان في خلال ذلك يأتي علياً رضي الله عنه يسأله ويستحمله فيحمله إلى أن وقعت عينه على قطام وكانت امرأةً رائعةً جميلةً فأعجبته ووقعت بنفسه فخطبها، فقالت: آليتُ (أي حلفتُ) ألا أتزوج إلا على مهرٍ لا أريد سواه. فقال: وما هو؟ فقالت: ثلاثة آلاف، وعبد وأمة وقتل علي بن أبي طالب. فقال: والله لقد قصدت لقتل علي بن أبي طالب والفتك به، وما أقدمني هذا المصر غير ذلك، ولكني لما رأيتك آثرت تزوجك. فقالت: ليس إلا الذي قلت لك. فقال لها: وما يغنيك أو ما يغنيني منك قتل علي وأنا أعلم إني إن قتلته لم أفلت؟ فقالت: إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت، تبلغ شفاء نفسي ويهنئك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. فقال لها: لك ما اشترطت. فقالت له: إني سألتمس من يشد ظهرك. فبعثت إلى ابن عم لها يقال له وردان بن مجالد، فأجابها ولقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فقال: يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما هو؟ قال: تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، قال له: ثكلتك أمك لقد جئت شيئاً كيف نقدر على ذلك؟ قال: إنه رجل لا حرس له، يخرج إلى المسجد منفرداً ليس له من يحرسه فنكمن له في المسجد، فإذا خرج إلى الصلاة قتلناه، فإن نجونا نجونا، وإن قتلنا سعدنا بالذكر في الدنيا وبالجنة في الآخرة. فقال: ويلك إن علياً ذو سابقة في الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم والله ما تنشرح نفسي لقتله. فقال: ويحك، إنه حكم الرجال في دين الله عز وجل وقتل إخواننا الصالحين، فنقتله ببعض من قتل، فلا تشكن في دينك. فأجابه، وأقبلا حتى دخلا على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم في قبة ضربتها لنفسها، فدعت لهم، وأخذوا سيوفهم وجلسوا قبالة السدة التي يخرج منها علي رضي الله عنه فخرج علي لصلاة الصبح فبدره شبيب فضربه فأخطأه، وضربه عبد الرحمن بن ملجم على رأسه، وقال: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، فقال علي رضي الله عنه: فزت ورب الكعبة، لا يفوتنكم الكلب. فشد الناس عليه من كل جانب، فأخذوه، وهرب شبيب خارجاً من باب كندة.

وروى النسائي(وصححه الألباني) من حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: «أشقى الناس الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذا» ووضع يده على رأسه حتى يخضب هذه، يعني لحيته.

وكان قتادة يقول: قتل علي رضي الله عنه على غير مالٍ احتجبه، ولا دنيا أصابها!.
ومما قيل في ابن ملجم وقطام قول الشاعر:
[COLOR=blue]
[ALIGN=CENTER]فلم أر مهراً ساقه ذو سماحةٍ … كمهر قطامٍ من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة … وضرب علي بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وإن علا … ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

U][COLOR=darkred]وفي ذلك يقول عمران بن حطان الخارجي يمدح ابن ملجم ظلماً وعدواناً:[/COLOR][/U]

يا ضربة من تقي ما أراد بها … إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحسبه … أوفى البرية عند الله ميزانا

[COLOR=darkred][U]وقال بكر بن حماد التاهرتي معارضاً له في ذلك:[/U][/COLOR]

قل لابن ملجم والأقدار غالبة … هدمت ويلك للإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدمٍ … وأول الناس إسلاماً وإيمانا
ذكرت قاتله والدمع منحدر … فقلت سبحان رب الناس سبحانا
إني لأحسبه ما كان من بشرٍ … يخشى المعاد ولكن كان شيطانا
أشقى مراداً إذا عدت قبائلها … وأخسر الناس عند الله ميزانا
كعاقر الناقة الأولى التي جلبت … على ثمود بأرض الحجر خسرانا
قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها … قبل المنية أزماناً فأزمانا
فلا عفا الله عنه ما تحمله … ولا سقى قبر عمران بن حطانا
لقوله في شقي ظل مجترماً … ونال ما ناله ظلماً وعدواناً
يا ضربة من تقي ما أراد بها … إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
بل ضربةً من غويٍّ أوردته لظى … فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا
كأنه لم يرد قصداً بضربته … إلا ليصلى عذاب الخلد نيرانا[/COLOR]

[U][COLOR=darkred]وقال الإمام أبو الطيب الطبري الشافعي[/COLOR] [/U]
:
إني لأبرأ مما أنت تذكره … عن ابن ملجم الملعون بهتانا
إني لأذكره يوما فألعنه … دينا وألعن عمران بن حطانا [/ALIGN]

وعمران بن حطان المذكور هو صاحب «جمرة الخارجية» الآتي نبأها في المقال اللاحق إن شاء الله تعالى.

[COLOR=blue]كتبه : سعد الحضيري [/COLOR]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com