فاتنات ثائرات 2-3


فاتنات ثائرات 2-3



[SIZE=4][B]بسم الله الرحمن الرحيم
قبل الدخول في ذكر بقية أخبار النساء الخارجيات، أنبه على أمر مهم، وهو أن ذكر هؤلاء النساء الضالات من فلول الخوارج، لا يعني التعميم على النساء عموماً بذلك الوصف، فإن ذكر كيد النساء وعظمته قد بينه الله في كتابه مقراً لقول عزيز مصر ([COLOR=blue]إن كيدكن عظيم[/COLOR])، وذكر فتنة النساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك على سبيل التنقيص لهنَّ مطلقاً بل لبيان خطر الفتنة، كما بين الله في كتابه فتنة المال والأولاد، فقال: ([COLOR=seagreen]وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ[/COLOR]) (الأنفال : 28 ) ولا يعني هذا الذم المطلق للمال والأولاد، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم : «[COLOR=darkred]نعم المال الصالح للمرء الصالح[/COLOR]» أخرجه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه ابن حبان والحاكم والألباني، من حديث عمرو بن العاص.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : «[COLOR=darkred]الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة[/COLOR]» أخرجه مسلم ، والنسائي.

فلا يفهم من هذا المقال وأمثاله، أننا نزدري النساء أو نتهجم عليهنَّ؛ معاذ الله! بل المراد التنبيه على خطر إغفال جانبهنَّ، فإن الفتن والشرور تلج عليهن في بيوتهنَّ، وفيهنَّ رقة وعاطفة قد تحملهنَّ على التعاطف مع أهل الفساد بحجة -بل شبهة- نصرة الدين، وطاعة لأولئك ([COLOR=green]الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ[/COLOR]) (الشعراء : 152 ) ممن وصفهم بقوله: ([COLOR=green]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ[/COLOR]) (البقرة : 11 ).

هذا هو المراد ليس إلا!
وتلبية لرغبة كثير من الإخوة ومن باب الرفق بالقوارير، سأفرد مقالاً –إن شاء الله- أذكر فيه بعون الله نماذج من الصور المشرقة لنساء صالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، وبالله التوفيق.

[COLOR=red][U]وهنا نذكر بقية أخبار الخارجيات:[/U][/COLOR]
ومن النساء الثائرات «[COLOR=blue]جمرة الخارجية[/COLOR]»
وما أدراك ما جمرة؟ إنها فاتنة عمران بن حطان السدوسي ويقال الذهلي، كان في أول أمره من صالحي التابعين لكن فتنته امرأة من الخوارج اسمها جمرة قال ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه: وجمرة امرأة عمران بن حطان من المشهورات بالجمال.اهـ
وعمران هذا ذكره ابن حجر فقال: تابعي مشهور وكان من رءوس الخوارج من القَعَدية بفتحتين وهم الذين يحسنون لغيرهم الخروج على المسلمين ولا يباشرون القتال قاله المبرد قال وكان من الصفرية وقيل القَعَدية لا يرون الحرب وان كانوا يزينونه وقال أبو الفرج الأصبهاني إنما صار عمران قعديا بعد ان كبر وعجز عن الحرب وقال ابن البرقي كان حروريا. قال وكان من المعروفين في مذهب الخوارج وكان قبل ذلك مشهورا بطلب العلم والحديث ثم ابتلي وساق بسند صحيح عن ابن سيرين [COLOR=darkblue]قال تزوج عمران امرأة من الخوارج ليردها عن مذهبها فذهبت به وسماها في رواية أخرى حمنة[/COLOR].اهـ كلام ابن حجر
وقال يعقوب بن شيبة عنه: أدرك جماعة من الصحابة وصار في آخر أمره أن رأى رأي الخوارج وكان سبب ذلك انه [COLOR=blue]تزوج ابنة عم له فبلغه أنها دخلت في رأى الخوارج فأراد أن يردها عن ذلك فصرفته الى مذهبها[/COLOR] وقال يعقوب بن شيبة حديثه عن الأصمعي عن معتمر بن سليمان عن عثمان البتي قال كان عمران من أهل السنة فقدم غلام من عُمان كأنه نصل ([COLOR=blue]يعني من العبادة[/COLOR]) فَقَلَبَه في مجلسٍ. وذكر ابن عساكر في تاريخه عن محمد بن سيرين قال تزوج عمران بن حطان امرأة من الخوارج، فقيل له إنها من الخوارج! قال: أردها، فذهبت به. وعن محمد بن أبي رجاء أخبرني رجل من أهل الكوفة قال تزوج عمران بن حطان امرأة من الخوارج ليردها عن دين الخوارج فغيرته إلى رأي الخوارج وكانت من أجمل الناس وأحسنهم عقلا وكان عمران من أسمج الناس وأقبحهم وجها فقالت له ذات يوم إني نظرت في أمري وأمرك فإذا أنا وأنت في الجنة قال وكيف فقالت لأني أعطيت مثلك فصبرت وأعطيت مثلي فشكرت فالصابر والشاكر في الجنة قال فمات عنها عمران فخطبها سويد بن منجوف فأبت أن تزوجه وكان في وجهها خال كان عمران يستحسنه ويقبله فشدت عليه فقطعته وقالت والله لا ينظر إليه أحد بعد عمران وما تزوجت حتى ماتت.

وفي هذا عبرة في الحذر من مجالسة أهل البدع والزيغ، ولذلك اشتد نكير السلف على مجالسيهم، قال مصعب بن سعد لا تجالس مفتونا فإنه لن يخطئك منه إحدى خصلتين إما يمرض قلبك لتتابعه وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه، و عن الحسن البصري قال لا تجالس أصحاب الأهواء وإن ظننت أن عندك الجواب، وعن هشام قال كان الحسن البصري ومحمد بن سيرين يقولان لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تسمعوا منهم. وكان عطاء يقول بلغني أن فيما أنزل الله على موسى لا تجالس أهل الأهواء فيحدثوا في قلبك ما لم يكن. وقال أبو قلابة لا تجالس أصحاب الأهواء فإني لا آمن عليك أن يغمسوك في ضلالتهم. قال أسد السنة ابن موسى: جاء في الأثر: من جالس صاحب بدعة، نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه، ومن مشى إلى صاحب بدعة فقد مشى في هدم الإسلام . وقال الأوزاعي: كانت أسلافكم تشتد عليهم ـ أي على أهل البدع ـ ألسنتهم، و تشمئز منهم قلوبهم، و يحذرون، الناس بدعتهم وقال إبراهيم النخعي: لا تجالسوا أهل البدع، ولا تكلموهم فإني أخاف أن ترتد قلوبكم. روى هذه الآثار ابن وضاح في كتاب البدع والمقرئ في ذم الكلام وابن بطة في الإبانة واللالكائي في أصول السنة والآجري في الشريعة وغيرُهم.

ومن الطرائف ما روى أبو عثمان المازني عن عمر بن توبة قال مرَّ عمران بن حطان بالفرزدق وهو ينشد فوقف عليه وأنشأ يقول:

[ALIGN=CENTER][COLOR=blue]أيها المادح العباد ليعطى * إن لله ما بأيدي العباد
فسل الله ما طلبت إليهم * وارج فضل المهيمن العوادِ[/COLOR][/ALIGN]

لا تقل في الجواد ما ليس فيه * وتسمي البخيل باسم الجواد
فقال الفرزدق: الحمد لله الذي شغل عنا هذا ببدعته ولولا ذلك للقينا منه عنتا!
وكان عمران بن حطان مستخفياً من الحجاج وسيده عبد الملك بن مروان وسبب طلب مروان له فيما ذكر ابن عساكر هو قوله في مدح ابن ملجم قاتل علي بن أبي طالب:

[ALIGN=CENTER][COLOR=blue]يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا[/COLOR][/ALIGN]
الأبيات المتقدم ذكرها فبلغ شعره عبد الملك بن مروان فأدركته الحمية فنذر دمه ووضع عليه العيون والرصد فلم تحمل عمرانَ أرضٌ وذكر ابن عساكر وغيره أنه أتى روح بن زنباع فأقام في ضيافته فسأله ممن أنت فقال رجل من الأزد قال وكان روح يكون في سمر عبد الملك فكان يسامره حتى يذهب الليل ثم يجئ إلى منزله فيجد عمران قائما يصلي فيدعوه فيحدثه وكان عمران يحدث روحاً بأحسن ما يكون فأعجبه إعجابا شديدا فلما كان بعد سنة سمر روح عند عبد الملك فتذاكرا شعر عمران بن حطان هذا فلما انصرف روح دعاه كما كان يدعوه يحدثه فأخبره بالشعر الذي ذكره عبد الملك فأنشده عمران بقية الشعر فلما أتى روح عبد الملك قال يا أمير المؤمنين والله إن في ضيافتي رجلا ما سمعت منك حديثاً قط إلا حدثني به وبأحسن منه ولقد أنشدته البارحة البيتين اللذين قالهما ابن حطان في ابن ملجم فأنشدني القصيدة كلها فقال له عبد الملك صفه لي فوصفه فقال إنك لتصف صفةَ عمران بن حطان أو ما لِيَ رأيٌ! اعرض عليه أن يلقاني قال نعم فانصرف روح إلى منزله فقال لعمران إني حدثت أمير المؤمنين أنك أنشدتني القصيدة كلها فسألني أن أصفك له فوصفتك له فقال هذا ابن حطان اعرض عليه أن يلقاني! قال: معاذَ الله لست به وأنا لاقيه إذا شئت إن شاء الله فلما كان من الغد أصبح هاربا وكتب إلى روح بن زنباع برقعة فيها هذه الأبيات

[ALIGN=CENTER][COLOR=blue]يا روح كم من كريم قد نزلت به * قد ظن ظنك من لخم وغسانِ
حتى إذا خفته فارقت منزله * من بعد ما قيل عمران بن حطانِ
قد كنت ضيفك حولا ما تروعني * فيه طوارق من إنس ولا جانِ
حتى أردت بي العظمى فأوحشني * ما يوحش الناس من خوف ابن مروانِ
فاعذر أخاك ابنَ زنباع فإن له * في الحادثات هنات ذات ألوانِ
فإن لقيتُ يمانيا فمن يمن * وإن لقيتُ مَعَدِّيًّا فعدناني
لو كنت مستغفرا يوما لطاغية * كنتَ المقدمَ في سري وإعلاني
لكن أبت لي آياتٌ مفصلة * عقد الولاية مذ طَهَ وعمرانِ. [/COLOR][/ALIGN]

ثم خرج حتى أتى الجزيرة الفراتية فنزل في ضيافة زفر بن عاصم فسأله ممن أنت فقال أنا رجل من الأوزاع وكانت له فيهم خؤولة فأقام فيهم حولا فبينا هو كذلك إذ قدم رجل ممن كان معه في ضيافته روح فقال لزفر هل تدري من هذا قال نعم رجل من الأوزاع فيما ذكر قال بل هو رجل من أزد شنؤه وقد كان عند روح بن زنباع يعرف بذلك فقال له زفر أزدي مرة وأوزاعي مرة إن لك لقصة فأعلمناها فإن كنت طريدا آوبناك وإن كنت خائفا أمناك وإن كنت فقيرا أغنيناك فقال عمران إن الله هو المغني وهو المؤوي إنما أنا ابن سبيل ثم خرج من عنده هاربا وكتب إليه برقعة فيها:

[COLOR=blue]إن التي أصبحتْ يعيا بها زُفَرُ * أعيا عياها على روح بن زنباع
أنشا يساءلني طورا لأخبره * والناس من بين مخدوع وخداع
حتى إذا انجذمت مني حبائله * كف السؤال ولم يولع باهلاع
فاكفف كما كف روح إنني رجل * إما ضريح وإما فقعة القاع[/COLOR]

ثم توجه نحو عُمان فلقي بريدا (أي رسول البريد) للحجاج بن يوسف في طريقه ذلك فقال له أبلغ عني الحجاج هذين البيتين:

[ALIGN=CENTER][COLOR=blue]أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة * ربداء تنفر من صفير الصافرِ
هلا برزت إلى غزالة في الوغى * أم كان قلبك في جناحي طائرِ
قرعت غزالة قلبه بفوارس * تركت مناظره كأمس العابرِ [/COLOR][/ALIGN]

ثم إنه لحق بعمان فوجد بها أصحابا له وكان عقيد الشراة وله عندهم قدر عظيم فصادف بعمان ما يريد فأقام بها حياته.
وغزالة المذكورة زعيمة من زعماء الخوارج يأتي خبرها إن شاء الله في المقال التالي (رقم3) وبالله التوفيق.

[COLOR=blue]سعد بن شايم[/COLOR][/B][/SIZE]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com