سلطة العقل والثقافة


سلطة العقل والثقافة


[SIZE=4][B]

ليس جدياً أن نقول أن الفكر الذي تجود به ذات المثقف، هو رهن بالغاية والمقصد، والسبيل إلى تحقيق هذه الغاية متاح للجميع، جميع المثقفين، شرط أن يقبل هؤلاء تحمل المسؤولية.

مسؤولية ما يطرحون ويسألون، والاستعداد الدائم لمواجهة من يحاسبهم، ويحاسب فكرهم، لما يشكله هذا الفكر من أهمية وخطورة، في الحراك الاجتماعي والثقافي، إن سلباً أو إيجاباً، على الرغم من حسن النية التي تسبق الطرح الثقافي، وإخلاص الإرادة، ونبل الهدف، من خلال استخدام الأدوات والأسس الثقافية، علماً أن أسئلتهم وطروحاتهم المعرفية، سوف تتمخض عن نتائج هامة تحدد المسؤولية، وهذا طور راق من أطوار الثقافة، التي تتميز بالرقي والتحضر، حيث تذهب تلك الصورة التي شكلها الناس عن رجل الفكر، الذي صنع لنفسه هالة من القداسة، موهماً الآخرين أنه خارج إطار المساءلة، وأبعد من أن تناله الشكوك، حتى من ذاته، التي لا يكلف نفسه طرح السؤال عليها، سؤال الضمير الحي، وهو الأولى بأن يتساءل، لأنه الأخطر، وهو يدري هذا، لكنه يتجاهله، ما يدفعه بعيداً عن المسار،الذي انبرى لخوضه وسلوكه، وأفقده نبل مقصده، ونزاهة معرفته وثقافته، وجدوى أسئلته وطرحه، وقراءته للواقع بغية تغييره ودفعه إلى الأمام، فأوصد الباب أمام الحوار، والمختلف، وأمام ما يثار حول أفكاره، التي يجب أن يعرف قبل غيره، أنها ليست فوق سلطة المساءلة التي هي فوق كل سلطة، وأنها الغاية والبداية، إذ ما نفع أي أدب أو فكر أو ثقافة أو حوار لا يثير أسئلة أو يقبل مساءلة؟ إنه كسحابة صيف خلبية خاوية، ترحل دون فائدة مع أنها داعبت أملاً، وشكلت وهماً، إلا أنها كانت مخيبة للآمال. ‏

إن من يحمل هم التنوير والتغيير، يضطلع بمسؤولية تثقيفية فكرية كبيرة، وأمانة علمية إنسانية عظيمة وهو موقن أن ما يتمخض عنه فكره وما تجود به ثقافته في مجتمعه، مرهون بما يحققه من قناعات وما يتوخاه من سبل وما يتبناه من قيم، وما يستخدمه من حجج وبراهين وأدلة، وما يطرحه من أسئلة، يقيم من خلالها حواراً مع واقعه ومجتمعه على اختلاف طبقاته وفئاته. ‏

والمثقف الحقيقي، هو ذاك الذي لا يوصد الباب أمام المعرفة من أي جهة هبت، فهو تلميذ حقيقي في مدرسة الحياة، لا يمل ولا يكل، يتعلم مما يجود به المكان والزمان، وهما بالنسبة إليه، أبوه وأمه، محاولاً الوصول إلى ذلك المجهول، المحجوب، الآخر المختلف، يقرؤه ويحاوره، يسأله ويجيب على أسئلته، ذلك هو المثقف الحقيقي، أو المبدع الأصيل، هذه هي الثقافة الحقيقة، المكتنزة بالفكر والوعي والأمانة، فالمثقف سارق النار وحامل النور، وناقل الرسالة عبر النفق المظلم الذي ترقد فيه ثقافتنا وأسئلتنا التي ما عادت أجوبتها تقنع أحداً، وهي غير قادرة على أن تقدم مخرجاً من الأزمة القاتلة التي تعيشها أمتنا، على المثقف الآن أن يبدأ الاختراق، ويفكر خارج النفق الذي اعتاد أن يفكر داخله ويبدأ بطرح أسئلة جديدة تساعد على الافلات من الفكر السائد الذي ما زال يعول على المطلق في السياسة والدين والإنسان، وعليه أن يعيد النظر في هذا المطلق حتى لا يؤجل الخروج من النفق، بل عليه أن ينزع الأقنعة عن المحجوب والمسكوت عنه والمتخفي، وكل المفاهيم المسخرة للحفاظ على الثقافة المفلسة. ‏

والبدء بالتفكير الجدي وفق معاصرة وحداثة حقيقيتين، وبالبحث عن إجابات جديدة تسعف المجتمع على مواجهة جحيم التخلف والاستبداد والفساد وخواء الفكر، وتشظي الأحلام وانهمار الشكوك، وتدمير القناعات وشلل الثقافات. ‏

إن الثقافة الحقيقية، هي سلطة العقل، وقائدة الوعي، هي رسالة وأمانة تقوم بدورها، وتصل إلى المتخفي والكامن، والمثقف الحقيقي، هو ابن واقعه، يأخذ منه ويتعلم على يديه، ويضيف إليه، ويغير فيه، ويحاوره ويحاكمه، إنه أكبر منه وأكثر اتساعاً.. ‏
الأرض بيته، وبيته جسده، وروحه عالمه والحب وطنه الشرعي وما تبقى أوطان غير شرعية.

[COLOR=darkblue]فهد بن محسن العنزي

مدير المشاريع والصيانة
في فرع وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف [/COLOR][/B][/SIZE]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com