سر الموت


سر الموت



[COLOR=blue][SIZE=5][ALIGN=CENTER][U][B]سر الموت [/B][/U][/ALIGN][/SIZE][/COLOR]

الناس نوعان نوع ميت وهو حي ونوع حي رغم أنه ميت .

الشاعر أحمد شوقي فلسف هذه المفارقة في بيت رائع :

[COLOR=darkred]فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها ……….. فالذكر للإنسان عمر ثاني[/COLOR]

هؤلاء الذين رحلوا تركوا لنا ما يبقي سيرتهم حاضرة بيننا ، لأنهم عاشوا من أجل الحياة ، ولم يعيشوا من أجل الموت ، لم يشغلهم هذا الذي أشغل الإنسان منذ الأزل ، الموت ذلك السر الغامض الذي ما فتئ بنو البشر يبحثون عن أكسير الحياة ، ولكن تأبى سنة الله إلا أن تمضي رغم قوافل المحاولات .

في معهد “أندرونيك رودفار” بولاية كونتاكيت الأمريكية ، دفع هؤلاء المتشبثين في الحياة مبالغ زادت على 760 مليون دولار حتى يتوصل علماء المعهد إلى طريقة ما لإعادتهم إلى الحياة مرة أخرى !

قد تبدو الفكرة في سياق محاولات الإنسان القديمة لمعرفة سر الموت ، ولكنها في هذا العصر العلمي المذهل أخذت واقعاً عملياً مدعماً بالتجارب التي صدقها الناس وبلغ من التعلق بأملها أنه تأسس في أمريكا وحدها خمسة معاهد علمية لإعادة الحياة للموتى ، كما تأسست معاهد مشابهة في استراليا حيث بلغ عدد الجثث المحفوظة في معهد “أوكاوا” في استراليا حوالى 58 جثة .

وطبعاً الفكرة ليست شطحة أو خيال علمي بل هي أبحاث أثبتت نجاحها على الحيوانات المخصصة للتجارب العلمية ، وليس هنا مجال لشرح التفاصيل العلمية التي حفلت بها كتب كثيرة عربية وأجنبية ، وقد انطلقت الشرارة العلمية كما يقولون من فأر عثر عليه متجمداً في ثلوج سيبيريا وقد دبت الحياة فيه بعد أن تعرض لأجواء علمية في طقس دافئ وحرارة معينة ، وإلى هذا يقول العلماء أن جسم الإنسان يمكن حفظه متجمداً (في درجة 200 درجة ئوية تحت الصفر) دون أن تتلف خلاياه حتى 280 عاماً بعد وفاته ، وخلال هذه الفترة يمكن إعادة جريان الدم في الجسم مرة أخرى ، فتعود كل الوظائف الفسيولوجية للعمل ، وتعود مها الذاكرة وذات التفكير وطريقة الكلام ، وكأنك يا أبو زيد ما مت !

هذا الخيال العلمي الذي تحول إلى واقع مشاهد استهوى كثير من الشخصيات العربية والإسلامية أيضاً ، وهي معروفة وبعضها معلن عنه ، كلها سجلت في هذه المعاهد لحفظ جثثها بعد الموت وبالتالي إعادتها للحياة بعد عمر يتفق عليه بعقود ملزمة للطرفين ، ومع ما في هذا الأمر من الغرابة ألا إن هذا الفريق المؤيد يتوقع أن تحفل الحياة بكل جديد ، ففكرة البعث بعد الموت موجودة في القرآن الكريم وفي ثقافات الشعوب ، وهي طبعاً من اختصاص الخالق سبحانه “ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” ، إلا إن أنصار هذه الفكرة يرون أن الله أوجد السر (البعث) وأما الكيفية فهي من اختصاصه سبحانه ، ولكنه علم الإنسان ما لم يعلم ، فربما وجد الإنسان هذا السر يوماً ما هكذا يحاولون ، وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها هكذا يفكر المغامرون؟

ومن الآيات القرآنية التي تدعو للتأمل فعلاً قوله تعالى : ” أوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ..” وقوله تعالى في قصة أصحاب الكهف : ” ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا” حيث بعثوا بعدما لبثوا في الكهف 309 يوماً ، سبحان الله الذي جعل لكل شيئ سبباً ، وسبحانه الذي له القدرة المطلقة في ذلك حيث قال ” إنه على رجعه لقادر” .

إذن الفكرة موجودة ويبقى السر في يد الخالق يختص به من يشاء وفوق كل ذي علم عليم ، ولكن فكرة الخلود ليست واردة في سنن الله سبحانه ، يقول تعالى “وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون” ، فسبحان الله جل شأنه وتعالى في ملكوته ، أعطى خلقه العقل ، ومنحهم العلم ، وسيظل الإنسان في صراع مرير مع الموت يحاول أن ينتصر عليه لو مؤقتاً ، بينما ظفر المؤمنون في كل زمان بالحياة الخالدة عند مليك مقتدر بعدما خلدوا ذكرهم بعد الممات بعلمهم وعملهم ويقينهم أن هذه الحياة دار ممر والآخرة دار مقر.

ومن الطرائف التي كتبها هؤلاء المغامرون في وصيتهم ـ الذين تحدثت عنهم في بداية مقالتي ـ عبارة كتبتها مسنة تقول مبررة اختيارها تجميد جثتها “لأني زوجي سيكون ميتاً عند عودتي للحياة” ، أما أحد المليونيرات فقال “إن الإنسان لا يمل من الحياة ، ولو نجحوا في عادتي للحياة فسأدفع كل أموالي وأبدأ من الصفر” .

والحقيقة لم نطلع على ما كتبه الأخوة العرب ولكن لنا أن تخيل ذلك ، فمن المؤكد أن أمنياتهم بعد العودة إلى الحياة لا تخرج عن مطالبات منها أن يجدوا بلادهم بلا فقر وبلا أمراض وبلا واسطات وبلا مطبات صناعية .

[COLOR=blue]منيف خضير

مشرف اللغة العربية برفحاء وصحفي بجريدة الجزيرة
Mk4004@hotmail.com[/COLOR]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com