الكاتب بجريدة الجزيرة حمّاد السالمي: لا (عَرْعَر) في (عَرْعَر)..؟!!


الكاتب بجريدة الجزيرة حمّاد السالمي: لا (عَرْعَر) في (عَرْعَر)..؟!!



إخبارية عرعر – بدر الحمادي:
أشاد الكاتب بجريدة الجزيرة بمنطقة الحدود الشمالية في مقالة له نشرت في جريدة الجزيرة اليوم :

في زيارتي الأولى لمدينة (شرم الشيخ) المصرية قبل سنوات مضت، بحثت في سبب التسمية، ومن ثم بحثت عن (الشيخ) الذي أريده في (شرم الشيخ)، فلم أجده، ثم كتبت ونشرت مقالاً تحت عنوان: (لا شيخ في شرم الشيخ)، فسره بعض الطيبين كما يريد هو لا كما أردت أنا..! سامحه الله.

وفي زيارتي الأولى لمنطقة الحدود الشمالية قبل أسبوعين، بدعوة كريمة من زملائي الأفاضل في ناديها الأدبي الفتي، وسكني وتجولي في حاضرتها الناهضة مدينة (عرعر)، أُخِذت بالاسم بداية، وطفقت أبحث عن سبب لهذه التسمية، لأن الاسم يوحي لأول وهلة، أنه على اسم شجر العرعر الذي نعرفه في جبال الحجاز، الذي هو من الصنوبريات، وهذا مما لم أره في عرعر، فمن المؤكد أن مدينة عرعر سميت على اسم واديها الشهير (عرعر)، الذي يقطعها من الجنوب إلى الشمال الشرقي، وكانت من قبل تسمى (بدنة)، نسبة إلى وادي بدنة الذي يخترقها هو الآخر من الغرب إلى الشرق، ويلتقي بوادي (عرعر) في شمال شرقي المدينة.

ولعل اسم وادي (عرعر)، مأخوذ من تسمية العرب لأعلى كل شيء بـ(عرعرة)، فعرعرة الجبل أعلاه، أو أنه كان وجود لشجر العرعر منذ أزمنة غابرة في هذه الجهات.

ثم إني أرجو أن لا يأتي من يفسر كلامي هذا على غير ما قصدت، فإذا خلت عرعر من شجر العرعر الذي أردت هنا، فهي تتضوع على الدوام بعبير عرارها، وبشيح نفودها، وتتجلى بطيب أهلها، وتسمو بكرم أخلاقهم.

تعود بدايات بدنة ثم عرعر والحدود الشمالية هذه إلى بدايات النصف الثاني من القرن الميلادي الفارط، حيث أصبحت محطة لخط التابلاين العابر من حقول النفط في المنطقة الشرقية إلى السواحل اللبنانية، فهي هبة صناعة النفط التي حولت الرمال إلى مستوطنات بشرية ثم مدن حضرية فيما بعد، مع أن عرعر وما حولها من مدن في هذه الجهات، كانت مراكز حضارية قديمة كما يقول بذلك المؤرخون، ومن أشهر الدلالات على ذلك، درب زبيدة، الذي هو جزء من درب الحاج العراقي الذي ينطلق من الكوفة ومن البصرة، وتنتظمه حتى الأماكن المقدسة في الحجاز، محطات وبرك وبئار وخلافها، وهو شاهد تاريخي وإنساني عظيم القدر، جعل نادي الحدود الشمالية الأدبي، يلتفت إليه لأول مرة، وينظم ملتقى ثقافياً حول تاريخه ومعالمه وأدبه، وقد أحسن هذا النادي الجديد المتحفز في الاختيار، ثم أجاد في التنظيم والإخراج، رغم غياب عدد كبير من الباحثين والمثقفين ومنسوبي الأندية، ورغم عزوف مثقفي المنطقة عن الحضور والمتابعة كما كنا نتوقع منهم.

إن وادي عرعر هذا معروف منذ أزمنة غابرة، فقد ذكره امرؤ القيس أثناء رحلته إلى قيصر الروم ماراً بشمالي الجزيرة العربية، فقال من قصيدة:

سما لك شوق بعد ما كان أقصرا

وحلت سليمى بطن قوٍّ فعرعرا

ثم ورد لها ذكر في شعر مقاس العائدي، والمسيب بن علس، والأخطل، وآخرين.

وعرعر يوم من أيام العرب الشهيرة، وهناك وادٍ على هذا الاسم في ديار هذيل، هو رافد من أكبر روافد وادي نعمان، أعلاه مكتظ بشجر العرعر، ذكره ياقوت، ولكن عرعر الشمال أشهر على ما يبدو.

لقد سررت كثيراً بالمشاركة في هذا المحفل كباحث ومتابع، وزاد من سروري التعرف على جمع كبير من الفضلاء في هذه المنطقة العزيزة من بلادنا، الذي أزورها لأول مرة، فلقاء أميرها النابه (عبد الله بن مساعد بن عبد العزيز)، وابنه الأمير الخلوق (منصور)، ووكيل الإمارة الأستاذ (صالح المحيميد)، والحديث إليهم في حضور جمع من المسئولين والمثقفين، زادني معرفة وقربة بالمنطقة وبحاضرتها عرعر، التي بدت في ثوب عصري قشيب، من التخطيط الهندسي البديع، والعمران المنبسط على مساحات شاسعة، والنظافة البادية على كل شارع وسكة، إلى جانب الحدائق والمنتجعات المخضرة، ويبدو جامع الأمير (عبد الله بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود)؛ علامة فارقة في قلب عرعر، فهو جامع كبير جداً، ويعكس فناً معمارياً راقياً للغاية. تشكل منطقة الحدود الشمالية، نقطة عبور بين المملكة وكل من العراق وسوريا، ويغلب على نشاطها الرعي والتجارة والزراعة، وهي بالجملة واعدة سياحياً، إذا ما أحسنا التعامل مع آثارها العمرانية ومعالمها الجمالية، وأخص بالذكر في هذا الخصوص، آثار درب زبيدة، فهناك حوالي ثلاث عشرة بركة على الدرب داخل المنطقة، إلى جانب القرى التاريخية مثل: (لينة-زبالة-لوقة-أم عمارة-دوقرا)، ويساعد على بزوغ الفجر السياحي في الحدود الشمالية، فنون شعبية جاذبة مثل: (العرضة- الدّحة- الربابة- السامري- الهجيني- الحداء- الحندة).

لقد استروحنا في ليلة سمر في عرعر، بالشعر فصيحه ونبطه، وبفن الربابة، ثم بفن الدّحة، الذي جذبنا جميعاً إلى ساحته الحماسية، فدحدحنا مع المدحدحين حتى تعبنا دحدحة..!

تحتفظ منطقة الحدود الشمالية بسجل تاريخي حافل في حياتها، فإلى هنا جاء مهندسو أرامكو قبل ستين عاماً، يخططون لعبور أنابيب النفط، فذهبوا من بعد ذلك وظلت الأنابيب من بعدهم، وجاء معهم موظفو أرامكو من السعوديين خاصة مع أسرهم، فهم الذين هندسوا مدينة بدنة فعرعر فيما بعد على الطريقة الحديثة، وكونوا اللبنات الأولى للمجتمع المدني عند ملتقى واديي بدنة وعرعر، وفي العام 1478هـ، زارها الملك سعود، وعقدت بها القمة الشهيرة بين الملك سعود والملك حسين رحمهما الله، ثم زارها الرئيس العراقي صدام حسين سنة 1401هـ، وزارها عام 1428هـ، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله.

لو اهتم كل ناد أدبي وثقافي بمحيطه القريب منه مثل نادي الحدود الشمالية، لخدمنا بلادنا ومجتمعنا أكثر وأكثر. شكراً للسيدة (زبيدة بنت جعفر)، التي جمعتنا على دربها التاريخي، في حياض نادي الحدود الشمالية.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com