التكامل التربوي بين التعليم العام ومؤسسات التعليم العالي


التكامل التربوي بين التعليم العام ومؤسسات التعليم العالي


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2653406.html

يعتبر التعليم بكافة مراحله وأشكاله أداة التطوير والتنمية في مختلف المجتمعات ، ويقع على عاتقه إحداث التغييرات الضرورية التي من شأنها نقل المجتمع من حاضره المتواضع إلى مستقبل جديد متقدّم يتوق إليه أفراد المجتمع .

وإذا كانت كل مرحلة من مراحل التعليم لها أهدافها الخاصة ، ولها قيمتها النسبية في تطوير قدرات الإنسان وتكامل خبراته ، فإن مراحل التعليم كلها ينبغي أن تعمل في نسق واحد كمجموعة حلقات في سلسلة واحدة ، وأي انقطاع بين هذه المراحل من شأنه أن يحدث مشكلة للنظام التعليمي كله ، وتكون له آثاره السلبية على مخرجات العمليّة التعليميّة.

وهذا يعني أن التكامل بين مراحل العمليّة التعليميّة التربويّة من بداية السلّم التعليمي في التعليم العام إلى نهايته في التعليم الجامعي مطلب مهم ، ومعيار ضروري للحكم على مدى كفاءة النظام التعليمي وجودة مخرجاته .

وتعد قضية التكامل بين التعليم العام والتعليم العالي من القضايا التي تطرح العديد من الإشكاليات التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في كلا النوعين من التعليم ، حيث يُرجع بعض الخبراء والمتخصصين اللوم في ضعف العلاقة بين مراحل التعليم المختلفة على جهات متعددة ، غير أن الواقع يؤكد على مسؤولية التعليم العالي في أخذ المبادرات لإصلاح النظام التربوي بشكله الشمولي.

كما أكدت وثيقة أصدرتها اليونسكو مؤخراً على أنه : ينبغي لأي تصور مستقبلي للتعليم ولأي سياسة تربوية ملائمة أن يتناولا النظام التربوي ككل ، لذلك ينبغي لأي عملية إصلاح للتعليم العالي أن تراعي صلات الترابط بينه وبين مراحل التعليم الأخرى .

ويأتي قرار ضم وزارتي التعليم العام والتعليم العالي في وزارة واحدة تحت مسمى (وزارة التعليم) استمراراً لدعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان – حفظه الله – لقطاع التعليم ، وتقديراً منه – أيده الله – لدوره الكبير كأساس للتنمية البشرية والمادية ، حيث يسهم هذا القرار في تنفيذ سياسات تعليمية موحدة لجميع مراحل التعليم تحت إشراف جهة واحدة .

هذا علاوة على بناء خطة استراتيجية موحدة للتعليم وفق عمل مؤسسي يسهم – بإذن الله تعالى – في تحقيق أهداف خطط التنمية للدولة ، وتبادل الخبرات المعرفية المؤهلة ، والقدرات والكوادر المبدعة بين مستويات ومراحل التعليم المختلفة ، وزيادة فاعلية البحث العلمي .

ويهدف القرار – أيضاً – إلى تحسين المخرجات التعليمية والارتقاء بها ، وتعزيز التكامل في تأهيل وتدريب المعلمين ، والإفادة من الخبرات الأكاديمية والإدارية ، فضلاً عن تيسير بناء المناهج وتطويرها وفق احتياج الوزارة الجديدة ، والرقي بأدوات البحث والإفادة من بيوتات الخبرة في الجامعات.

كما يعتبر قرار الدمج نقلة نوعية وفارقة لسد الفجوة بين مخرجات التعليم العام والتعليم العالي ، حيث سيؤدي ذلك إلى إلغاء العزلة التي كان يعيشها كلا القطاعين ، إضافة إلى توحيد الرؤى والجهود للوصول إلى مخرجات نوعية تخدم سوق العمل ، حيث سيتم بناء مناهج كليات التربية في الجامعات بما يتناسب مع المناهج الدراسية ، بشكل ينعكس إيجاباً على الركيزة الأساسية للعملية التعليمية الطالب والطالبة ، والمعلم والمعلمة لوضع سياسات موحدة واستراتيجية شاملة تقضي على تلك الفجوة بين التعليم العام والتعليم العالي .

وتتطلّب طبيعة العلاقة بين التعليم العام والتعليم العالي ضرورة التعاون بينهما لتحقيق مزيد من المكتسبات التعلمية والعلمية والاجتماعية ، فمؤسسات التعليم العالي التي تقدم التعليم الجامعي بما لديها من إمكانات علميّة وبحثية قادرة على إحداث تأثيرات كبيرة في نمط التعليم العام ، وتوجيهه لخدمة قضايا الإنسان والمجتمع ، كما أن التعليم العام يعتبر مصدراً رافداً للتعليم الجامعي ، ومجالاً خصباً لتطبيق الأفكار والنظريات .
وعملية التواصل والتكامل بين التعليم العام والتعليم العالي تصبح سهلة ميسورة متى ما أحس صانعوا القرار في كلا التعليمين بأن مهمة تطوير وتجويد التعليم العام هي مسؤولية مشتركة بين الطرفين ، وأنه من أجل ذلك الغرض ينبغي إقامة نوع من التنسيق والتعاون المستمر بينهما .
ويعد حسن اختيار القيادات التربوية للمؤسسات التربوية والتعليمية عاملاً مهماً في تحقيق التكامل والتعاون بين التعليم العام والتعليم العالي ، علاوة على كونه فرداً بارعاً في المعاملات المجتمعيّة والمشاركات المؤسساتية المختلفة.
وفي المقابل هناك صعوبات ومعوقات تحول دون تحقيق التكامل بين التعليم العام والتعليم العالي والتي من شأنها إضعاف الأهداف التي وضعها المسؤولون من وراء عمليّة ضم الوزارتين في وزارة واحدة .
وتشير الدراسات إلى ضعف التنسيق والتعاون بين مؤسسات التعليم العالي والتعليم العام ، ولعل ذلك أدى إلى عدم مساهمة كليات التربية في وضع السياسات والاستراتيجيات التعليميّة .
فقد أظهرت إحدى الدراسات وجود ضعف أو قصور في أوجه التسويق بين أجهزة التعليم العام ومؤسسات التعليم العالي في عدة أمور منها : عدم وجود تخطيط تعليمي شامل وعدم وضوح الأهداف ، وصعوبة الإجراءات الإدارية والفنية ، وازدواجية الأنشطة .

كما أكدت دراسة أخرى إلى وجود حاجة ملحة إلى تفعيل التعاون والتكامل بين مؤسسات التعليم العالي وأجهزة التعليم العام فيما يتعلق ببرامج إعداد المعلم ، وتطوير المناهج الدراسية والإدارة المدرسية ، وتفعيل الإرشاد التربوي والمهني ، والمساهمة في عمل خطة تربوية شاملة للنهوض بالتعليم العام .
واقترحت دراسة ثالثة عدة تصورات لتحقيق التكامل بين مناهج التعليم العام والتعليم العالي ، من أهمها : دراسة التخصصات التي تعطى في التعليم الثانوي للتوفيق بينها وبين التخصصات في المرحلة الجامعية ، وتحديث برامج إعداد المعلمين في الجامعات ، بحيث تصبح قادرة على تخريج المعلم صاحب الثقافة العريضة والمدرك لفلسفة التكامل وأصول تطبيقها ، كما اقترحت نفس الدراسة إيجاد نوع من التعاون البحثي بين أساتذة الجامعات والمعلمين ذوي المهارة العلمية في إجراء البحوث ، وذلك بهدف جعل البحوث الجامعية أكثر التصاقاً بحاجات المتعلمين والمعلمين ومشكلاتهم .

وأظهرت دراسة رابعة أن إحداث التعاون والتكامل بين التعليم العام والتعليم العالي يتطلب تخطيطاً مشتركاً ، ومتابعة دؤوبة ، وتصميماً للنظم التعليمية ، وتحديداً للأدوار والمسؤوليات ، ومعايير جيدة لاختيار القيادات التربوية للمؤسسات التعليمية .
وهكذا تجسمت قضية عدم الربط العضوي بين متطلبات مراحل التعليم المختلفة وفق رؤية علمية متكاملة ، يؤيد هذه الرؤية ما أظهرته نتائج دراسة طبقت على مناهج التعليم في الوطن العربي ، ومن ضمنها دول الخليج العربي من وجود فجوة قائمة بين مناهج التعليم الجامعي وما قبل الجامعي ، مما يفقد عملية التعليم تكاملها ، ويسبب تعثراً للطلاب في دراساتهم .
ولهذا فالحاجة ماسة جداً إلى فحص واستقصاء آفاق التعاون والتكامل بين مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي ، والوقوف على معوقات تحقيق ذلك التكامل والتعاون.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com