المعلم في يومه العالمي


المعلم في يومه العالمي


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2688242.html

مع اقترابِ اليوم العالميِّ للمعلِّم؛ تعلو علاماتُ العتبِ وعدم الرِّضا بوسائل التواصل الاجتماعي مِنْ أغلبِ مُعلِّمِي الوطن، فبالأمسِ: كان الجفاءُ بين المعلم ووزارتِه للمطالبة بحقوقه الماديَّةِ والدرجة المستحقَّة حديثَ السَّاعة، والآن؛ ازدادت الفجوة وظهرت واضحةً جليَّةً، يستشعرها الجميع، فالآمال المعقودة على وزير التعليم “العيسى” في بداية تعيينِه في إصلاح واقع التعليم ومساندة المعلم – وهو مؤلف كتاب (إصلاح التعليم)! – بدأت تتبخَّر، وتزداد خيبة آمال المعلمين، ليس فقط في نيلهم درجةً مستحقَّةً أو أمورًا ماديَّة، بل إنَّ المنطقة الضبابيَّة بينهم تتَّسع، والهوَّة تكبُر، والمعلم بين مهامٍّ تُثقِل عاتقَه، مع تطاولٍ على شخصِه، أفقَدَهُ هيبته كمعلمٍ، فرموه بالسلاح الذي درَّبهم عليه، وبالحروف التي أمسك أناملهم الضعيفة، وتحمل تعثُّرهم وكرَّر بصبرٍ وتحلُّمٍ حتى يتقنوها، فتعلموها ليصوِّبوا سهام أقلامهم عليه، ويرموه بأبشعِ الصِّفات، فبين البكاء والشكوى سرٌّ دفينٌ قد لا يدركه إلا مَنْ وقف بالميدان معلمًا حقيقيًّا، لا مُسمًّى فقط.
فإذا كان المعلم السعودي فاشلًا ومضمَحلَّ الثقافة ومتطرفًا – كما يزعم الغامدي وهو معلمٌ سابقٌ – فما تقييمُه لمجتمعنا السعودي والمعلمون يشكِّلون أكبر نسبةٍ فيه؟! أنا هنا لا أعتبُ على كاتبٍ دسَّ بينَ سطورِه وفي ثنايا حديثه نقدًا انتقاميًّا وعداءً لوزير التعليم، ولكني أعتبُ على الصَّمت مِنْ وزارة التعليم للدفاع عن منسوبيها وردِّ اعتبارهم، واليوم تشتعل ثورةُ غضبِهم بمقالٍ صاروخيٍّ ومنهجٍ خفيٍّ مِنْ وزير التعليم للدفاع عن نفسِه، فهو يُفنِّد ويبرِّر، ويدبِّج بأدلةٍ – وليته لم يفعل – .
سؤالي الآن: الفجوة الرماديَّة الواقعة إلى أين تتَّجِهُ والمعلم يُفنِي عمرَه في مهنة التعليم بين مدٍّ وجزرٍ، بين تكاليف مُشرفِه، ومهامَّ تُسنَد إليه مِنْ قائدِه، ويحدثُ الخلاف، ويبدأ التذمُّرُ والشكوى؛ لغياب التوصيف الدقيق لمهنتِه، فاللجنة الوزارية التي شُكِّلَتْ في عهد سمو الأمير وزير التعليم الأسبق “فيصل بن عبدالله” لتحديد حقوق المعلمين وواجباتهم، ووضع إطارٍ عامٍّ لحوافز المعلمين، فقد استمرَّ عمل اللجان حتى وزارة “عزَّام الدخيل”، الذي بدوره شكَّل لجنتين: إحداهما لحقوق المعلم، والأخرى لواجباتِه.
والآن، وبعد مرور عَقْدٍ من الزمان على تشكيل أول لجنةٍ للبحث عن إصدار ميثاق واضح للتوصيف الدقيق
لعمل المعلم، تتبخَّر مخرجاتُها ويتردَّد صوت خفي: (لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا … ولكن لا حياةَ لمنْ تُنادِي).
ولا عزاءَ للمعلم الذي سيستمرُّ يعمل في أجواءَ يسودُها الغموضُ والتخوُّف؛ لأنَّه لا يعرف حقوقَه ليضمنَها، ولا يدرك واجباته الفعليَّة ليَفِيَ بها، ويؤدِّيَها على الوجه الأكمل في خضمِّ التشتُّت بين مَا لهُ وما عليه.
فالتعليم: المهنة الوحيدة التي لا ملامح لها ولا حدود في التوصيف الوظيفي والمهني ، فمعلم اليوم لا يريد احتفاءً بعملِه، ولا تقديرًا لجهودِه، ولا إحساسًا أو تحدُّثًا عن فضلِه ومكانتِه التي تلطَّخَت بالاعتداء البدنيِّ عليه بالضرب مِنْ بعض الطلاب أو أولياء الأمور، والاعتداء بالنقد السلبيِّ والتجريح من المجتمع والإعلام، لا يريد معلمنا احتفاءً يُرهقُه الإعداد له بالمطويَّات واللوحات، ولا يحضره؛ لأنَّه يقف أمام طلابه يؤدي أمانة على عاتقه، المعلم – يا وزارة التعليم – مِنْ حقِّه أن يُسمع صوتَه، فهو الذي بالميدان، وهو أعلم بالحال، فإذا أردنا الإصلاح لا بدَّ مِنَ التشخيص، ولن يكون تشخيصٌ بصمتٍ، فنِصَابُ المعلم يصل إلى أربع وعشرين حصَّةً، وأغلبهم مُنتَدَبٌ بين مدرستين لسدِّ العجز الذي حدث وأنتم تنظرون، فهرول أغلب المعلمين إلى التقاعدِ؛ خوفًا على مصير راتبه عندما كثرت الإشاعات والأقاويل، منتظرًا كلمة من وزارتِه تطمئنُ قلبَه، وهذا لم يحدث! والميدان الآنَ يُعانِي مِنْ عجزٍ كبيرٍ، نعم نقول “عجز”؛ فاكتمال النصاب بأربعٍ وعشرين حصَّةً، وتسديد العجز بوكلاء ومشرفين منقطعين عن المادة بأعمالٍ إداريَّةٍ مدَّةً طويلةً هل يُعتَبَرُ حلًّا يصبُّ في مصلحةِ الطالبِ؟ وهل يتناسبُ مع تطوير التعليم المنشود؟ والتعييناتُ الجديدة لا تصل إلى نصف العجز القائم في مدارسِنا أو ربعِه.
ورغم المعيِقَات بالميدان تُقَرُّ مادة النشاط بدونِ لائحةٍ لتنفيذِها، ولا يُوجَد مؤهَّلٌ لها، ولم تُرصَدْ لها ميزانيَّةٌ للتنفيذ، ورصد نصف المليون لمسابقةٍ ترسم خريطة الطريق للنشاط المقر!.
عندما تشارك الوزارة الميدانَ في اتخاذ قرارٍ فلن تكون هناك شكايةٌ أو فجوةٌ بين واقع الاعتراض وآمال القرار، فالمتأمِّل لوزارة “عزَّام الدخيل” يرى أنَّه لم يقدم للمعلم امتيازاتٍ، أو يردَّ له حقوقًا، ورغم ذلك حَظِيَ بالقبول والحب والتأييد من منسوبيه، لا لسببٍ سوى أنَّه مَلَكَ القلوب، واحتوى الأنفس الغاضبة بسرعة التجاوب والتعزيز ولين الأسلوب، فالقرآن الكريم يقول: ((وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)).
وزارة التعليم نريد أن يكون يوم المعلم هذا العام مميزًا يحضره المعلم وهو مُحتَفًى به، ويُعقَدُ لقاء مفتوح عن بُعدٍ لنخبةٍ مِنَ المعلمين؛ ليصل صوتهم للمسؤول؛ ليرسموا مع صانع القرار وثيقة المعلم السعودي لنغلق ملفات التظلُّم، وتكون المحاسبة دقيقة للمقصِّر.
نريد احتفاءً يردُّ للمعلم هيبتَه المفقودةَ بكفِّ ألسنةِ مَنْ لم يتحمَّلُوا عِبءَ التدريس، ويبحثون عن شهرةٍ إعلاميَّةٍ على حساب نفسيَّاتِنا، نريد منكم ناديًا للمعلمين، وتأمينًا طبيًّا مدفوعًا، ومتحدثًا إعلاميًّا للمعلم بكل منطقة، ولا تنسوا قول الشاعر:
قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا *** كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

بقلم : سهام الرميح
كاتبة سعودية /عرعر


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com