سنوات العبث العربي


سنوات العبث العربي


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2625791.html

اتفق العرب سابقاً أن لا يتفقوا , أما الآن فيبدو أنهم اتفقوا على أن يرفعوا درجة هذا الاتفاق من اللاتفاهم إلى التقاتل بكل أنواعه , سواء المجرد أو المعنوي , الظاهر أو الخفي , المهم إلحاق أكبر قدر من الإضرار بالأخر (الأخ العربي) .
نزلوا للشوارع وحملوا البندقية والسكين وخلفوا وراء ظهورهم الحوار .
وسمحوا للأخر البعيد أن يمدهم بالسلاح لا للدفاع عن النفس والعرض وتأمين الوطن بل لقتل الأخ العربي الذي قد يعود حليفاً بعد فترة ليقاتلوا معاً أخ عربي أخر.
التنسيق العربي المضاد كما يجب أن نسميه لأن كل دولة عربية أصبح لزاماً عليها أن تتخذ موقفاً مضاداً من الدول العربية الأخرى , هذا التنسيق وصل إلى حد بأن الدويلات الصغرى المتخمة بالمال تمد الأحزاب المتطرفة والقنوات الإعلامية الموجهة لتكون ورقة مساومة في يدها والهدف أن يكون لها دور ما في المجال العربي حتى لو كان دوراً يتناقض مع مبادئ الأخوة والمصير المشترك , المهم أن يكون هناك دور ما.
العبث العربي العربي بوضعه الحالي يشكل تهديداً ليس لمفهوم الدولة ككيان فقط بل يهدد المجتمعات العربية ومكوناتها الداخلية من عرقية وقبلية ومناطقية وما حدث في لبنان وليبيا والعراق أقرب الأمثلة على ذلك .
التدخل الخارجي كانت له مداخل كثيرة أهمها اللعب على الوتر الطائفي وتأجيجه , أما المدخل الثاني فكان الحرية والعدالة الاجتماعية .
في الوتر الطائفي دعمت دول الغرب الجزء المتطرف من الطائفة الشيعية سياسياً وإعلاميا ولوجستياً ومن تحت الطاولة وفوقها , بينما اتخذت الدول العربية أشبه ما يكون بالوضع الصامت الذي ينتظر مصيره الذي لن أقول عنه الغامض بل حتى هذه الدول تعرفه جيداً ولكن تتغاضى عنه لعل تتغير المصالح مع إدارة جمهورية قادمة .
ففي سوريا تم التغاضي عن دخول حزب الله وارتكابه المجازر ضد السكان بينما يتم التشديد على أي منظمة سنية مهما كان توجهها , وكذلك في العراق يتصرف الجيش الإيراني وميلشياته كأنه في أحد أقاليم إيران, بينما تتم تصفية الصحوات السنية بأيدي الميلشيات الشيعية وكذلك السنية المتطرفة تحت سمع وبصر أمريكا التي كانت تدعى سابقاً أنها لا تستطيع فعل الكثير خوفاً على حياة جنودها .
التركيز على قضايا مثل مهاجمة داعش عين العرب ومحاصرتهم للأزيديين في سنجار في الوقت الذي تتجاهل فيه المنظمات الدولية حصار حمص وحلب ومخيم اليرموك ومجازر الحشد الشعبي وحزب الله المتطرف في قرى السنة وجرائم المالكي ضد سنة العراق كل هذا يعطي مؤشراً على ازدواجية منتقاة بعناية وفق مخطط يجري تنفيذه بدقه .
زلات بايدن وبعده جون كيري وطريقة التعامل مع الثورة السورية لم تكن عبثية ولا عابرة بل هي جزء من مخطط كامل يرمي إلى إدخال المنطقة في مزيد من الفوضى وهي المرحلة الثانية بعد الربيع العربي .
فبعد جريمة استخدام بشار للأسلحة الكيماوية وخذلان البيت الأبيض كان على دول الخليج أن تدرك أن الأمر برمته لا يعدو كونه لعبة كبرى بين القوى الدولية على المسرح العربي .
فأمريكا الأمس كانت قائمة على المصالح الاقتصادية والشره النفطي أما أمريكا اليوم وتحديداً بعد 11 سبتمبر أصبحت تخلط الجانب الديني مع المصالح بل تقدمه عليه .
السماح للحوثيين بالتمدد بكل أريحية واحتلال العاصمة صنعاء ثم محاصرتهم للرئيس اليمني وكل ذلك يتم تحت تغطية أممية من خلال المبعوث الدولي بن عمر صاحب الجولات المكوكية يدل على تنسيق دولي واضح المعالم بين أمريكا وإيران .
الباب الثاني الذي تم استخدامه والتركيز عليه إعلامياً مع تضخيمه كثيراً هو سوء العدالة الاجتماعية والفساد المالي والإداري , حيث صورت التقارير الغربية أن الحكومات العربية على أنها مرتع الفساد ومنبع الخلل حتى ارتسم في ذهن المواطن العربي على أن الخلاص من فقره ومشاكله ونيل حريته لا يتم إلا بالثورة على حكوماته , وهنا لابد من تناول هذا من خلال زاويتين .
الأولى أن الدول الغربية هي من ساهمت في صنع الفساد في العديد من الدول العربية بشكل متعمد لأنها تعرف أن ذلك سيكون ورقة في يدها تحركها متى شاءت وهو ماحدث بالفعل .
الثانية أن بعض الحكومات العربية قد مضت في الظلم الاجتماعي شوطاً بعيداً حتى لو من دون قصد عندما اعتمدت في تنظيماتها الإدارية على منطقة واحدة أو أقلية عرقية مستنفعة استحوذت على القرار السيادي وبالتالي الثروات لوحدها وتركت باقي الشعب يعاني حتى أصبح كطفل يمكن استثارته بسهوله من خلال وعود الحرية والعدالة الاجتماعية التي فقدها فعلاً .
الوضع في الدول العربية هو أشبه بعائلة كبيرة تسكن في منزل ضخم وتتقاسم غرف المنزل وكل ساكني هذه الغرف يتصرف باستقلاليه تامة وكأن مايحدث في جوارهم لا يعنيهم , والأدهى أنهم لا يشعرون بأي خطر من الحرائق المشتعلة في باقي الغرف .
وحتى رد الفعل العربي لا يتجاوز في أغلب الأحيان كونه علاج لأعراض المرض فقط , فإذا تجاوزنا الدعم الخليجي للرئيس المصري السيسي واليمني عبد ربه منصور وهما مايمكن وصفه فعلاً بالعملين الجادين لاستعادة زمام الأمور فإن معالجة الثورة السورية والأزمة اللبنانية وكذلك الليبية والعراقية مازالت دون المأمول .
التعامل مع إيران صاحبة المشاكل كان سياسياً أكثر من اللازم مما سمح لها بالتمدد أكثر في العمق الخليجي شمالاً وجنوباً , وكان من الأحرى الانتقال إلى تعامل عملي ونقل الصراع إلى أطراف إيران حيث القوميات العرقية والدينية المضطهده مثل الأحواز والبلوش السنة والأكراد وغيرهم .
أيضاً الرد بنقل النفط عبر أنابيب إلى بحر العرب مروراً بالربع الخالي أو إلى قناة السويس مروراً بصحاري المملكة مما يفقد إيران ورقة ضغط مهمة وهي تهديدها بإغلاق مضيق هرمز وبالتالي يقل تأثيرها الجيوسياسي على المستوى الدولي .
الأفضل للدول العربية المعتدلة أن لا تكرر أخطاء الماضي عندما تركت حلفائها بدون دعم حقيقي واكتفت بدعمهم سياسياً وإعلامياً وتركت المجال مفتوحاً أمام إيران وداعش والقاعدة للسيطرة على مقدرات الوطن العربي , ففي لبنان كان الدعم السياسي فقط مقابل الدعم الكامل من إيران لحليفها والنتيجة استيلاء حزب الله على لبنان وتحكمه بالقرار اللبناني , وهو نفس مايحدث في اليمن مع الحوثيين , ونفس ماحدث مع أهل السنة في العراق وسوريا .
أما لعبة المفاوضات الأمريكية الإيرانية فقد وصلت مراحل محرجة لكليهما وخصوصاً الطرف الإيراني فالاتفاق مع الشيطان الأمريكي يعني تغيير الفكر الخميني وتخطأتة مما يلقي بذور الشك على أسس الثورة الخمينية ذاتها .
فإيران الثورة رفعت شعارات العداء مع الشيطان الأكبر وقوى الاستكبار العالمي منذ العام 1979م وخدعت العالم الإسلامي بهذه الشعارات الزائفة , وتخليها عن ذلك يعريها أمام أنصارها قبل أعدائها .
الخطير في الأمر برمته هو أنه وصل إلى درجة محاولة المساس بسيادة المملكة , فالتدخل السويدي الأخير في القضاء السعودي ماهو إلا جس نبض من الدول الغربية لمكانة المملكة الدينية والسياسية في العالم الإسلامي وهل مازالت هي مركز الثقل فيه أم تغيرت الأمور ؟

نايف العميم .


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com