احتواء سرمدي لتفاحة فاسدة


احتواء سرمدي لتفاحة فاسدة


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2628431.html

من المؤكد أن كل من يمارس العمل التربوي سواءاً كان معلماً أو مرشداً طلابياً أو مديراً لمدرسة أو مشرفاً تربوياً يتمنى أن يصل كل الطلاب إلى أعلى مستوى من العلم والأخلاق الحميدة والسلوك القويم.
لكن الواقع يرفض ذلك فالفروق الفردية بين الطلاب ودرجة اهتمام الأسرة وتعليم الوالدين ونوعية الرفقة والبيئة المحيطة كلها عوامل تحتم أن يتوزع الطلاب بشكل هرمي في العلم والأخلاق والطموح والإبداع .
اليوم أتحدث عن فئة من الطلاب , لا يصدر منهم إلا كل تصرف سيء , هروب متكرر من المدرسة , تأخر دراسي , اعتداء بكل أنواعه على باقي الطلاب , ضرب المعلمين , تحريض زملائهم على العنف ….الخ .
تقوم المدرسة بعملية محاولة تعديل السلوك لهذه الفئة من خلال عملية تربوية يشترك فيها المعلم مع المرشد الطلابي مع إدارة المدرسة , وفي الغالب وبفضل الله تنجح هذه العملية التربوية في تعديل سلوك الطالب إلى النوعية المرجوة .
لكن في حالات نادرة تفشل كل جهود المدرسة في المعالجة وذلك لأسباب خارجة عن إرادتها , منها أن تأثير البيئة المحيطة بهذا الطالب خارج المدرسة قوي جداً , ومنها أن أسرة الطالب وبالذات والديه يمارسان حماية زائدة له ويرفضان أي عمليات لتعديل السلوك تقوم بها المدرسة لأنهما ببساطة يؤمنان أن ابنهما كامل ولا تحتاج سلوكياته إلى تعديل, ومنها أن الطالب قد يكون متعاطي للمخدرات وهنا يحتاج إلى مصحة طبية لعلاجه وليس لمدرسة ينشر فيها سمومه .
هذه الفئة النادرة تستعصي على كل محاولات العلاج والتقويم , هي التي يدور محور حديثنا عنها , ولا نتكلم هنا عن الفئات القابلة للعلاج وتعديل السلوك .
وهنا لابد من الاعتراف بأن هذا الطالب تحول إلى تفاحة فاسدة , وكلنا يعرف ماهي التفاحة الفاسدة , فهي التي تنقل مرضها لا محالة إلى باقي التفاح إذا بقيت معه في نفس الصندوق .
وهنا لابد من الاعتراف أن علاج هذا الطالب لن يتم داخل أسوار المدرسة فقط , بل لابد من استخدام الطرق المتاحة والإجراءات النظامية حتى لو كانت تتسم بالقسوة في ظاهرها لمنع نقل العدوى إلى باقي زملائه .
وهنا يجب الاعتراف أن المدرسة لن تكون قادرة على علاج طلاب هذه الفئة وأن أي عملية احتواء ماهي إلا وهم وسراب .
فالمشكلة مع هذه الفئة تتعدى كونها محاولة لتعديل السلوك , فهي تصبح محاولة منع انتقال المرض بل وحماية باقي الطلاب في المدرسة من الأضرار التي ستنجم حتماً عن استمرار هذه الفئة بين أظهرهم .
فاستمرار وجودهم في المدرسة سيفضي حسب الوقائع إلى كثير من المشاكل الكبيرة , أبسطها محاولة الطلاب الأسوياء تقليدهم , وتعرض المعلمين إلى الضرب والاعتداء الجسدي والإهانات , نشر المخدرات وفكر العصابات في المدرسة , والأدهى أنه قد يحدث اعتداءات من هذه الفئة النادرة على الطلاب الأسوياء وتتطور إلى اعتداءات جسدية ولا أخلاقية .
وهنا يبرز حق أسر باقي الطلاب , فأي أسرة عندما ترسل ابنها الذي لا يعاني من أي مشاكل إلى المدرسة تفترض بأن المدرسة بيئة حامية له من كل خطر وأذى , ولو علمت هذه الأسر بوجود هذه الفئة مع أبنائهم لرفضت ذلك قطعاً .
الوقائع التي دعتني إلى أطلاق هذا التحذير كثيرة .
منها قيام طالب بضرب معلم , هذا الطالب قامت المدرسة سابقاً بدورها التربوي الذي لم ينجح نظراً للأسباب التي ذكرتها سابقاً , بعدها فُصل الطالب من المدرسة كإجراء علاجي احترازي وأخير , ولكن عاد بعد تدخلات كارثية , منها للأسف تدخلات مشرفين تربويين يتوسطون لمثل هذه الفئة , ويقفزون على الواقع وعلى جهود المدرسة , فما أن عاد إلى المدرسة حتى قام بضرب معلم أخر .
وقبل عدة سنوات في إحدى المدارس حدثني زميل أن طالباً متفوقاً حدث له تدني شديد ومفاجئ في مستواه الدراسي وتفاعله مع البيئة المدرسية , وباءت محاولات المعلمين بمعرفة الأسباب ومعالجتها بالفشل , واكتشفوا في أخر الأمر أنه تعرض لاعتداءات من قبل طالب ينتمي لفئة التفاحة الفاسدة عملت المدرسة على (احتوائه) سابقاً رغم مشاكله الكثيرة فكانت النتيجة احتواء وهمي أفسد تفاحة سليمة .
أيضاً الواقع يحدثنا بشكل جلي وواضح أن احتواء هذه الفئة في البيئة المدرسية لم يكن ناجحاً بدليل عدم تغير سلوكياتهم وارتفاع وتيرة مشاكلهم في كل سنة .
الملاحظ أيضاً أن كل من يحاول احتواء هذه الفئة (من خارج المدرسة ) لا يقدم حلولاً تربوية ناجعة , بل يكتفي بعودتهم إلى المدرسة وهذا أسلوب واضح للتملص من الأعباء وإلقاء الهموم على الغير .
كمرشد طلابي أقسى شعور لدي عندما تضطر إدارة المدرسة إلى عقاب طالب أو فصله , لكن أرى من العبث أن نمارس الاحتواء السرمدي مع فئة تمثل خطراً داهماً على الطلاب الأسوياء .
وهنا أقترح أن تقوم إدارة التعليم بالحصر الجدي لمثل هذه الحالات العصية على تعديل السلوك ثم التنسيق مع دار الملاحظة الاجتماعية لإكمال دراستهم فيها في الفترة الصباحية مع تكثيف البرامج العلاجية المتخصصة وبعدها يعودون إلى منازلهم مثل باقي الطلاب العاديين , وبهذا نكون أبعدناهم عن المدرسة ووفرنا حماية للطلاب الأسوياء منهم , مع ضمان استمرارهم في الحصول على التعليم بدون انقطاع , وإذا لم يتسنى التنسيق مع دور الملاحظة الاجتماعية بسبب نظرة المجتمع السلبية عنها , فعلى إدارات التعليم أن تنهض بأعبائها وتخصص لهم فصول دراسية مستقلة في أحد مباني التعليم تحت إشراف كوادرها من مشرفين أو معلمين متطوعين وما أكثرهم

نايف العميم


5 pings

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com